بذل الرقة والانكسار، والتضرع والافتقار - لأدق العلوم أمراً، وأخفاها سرا، وأعلاها قدرا.
لأنه في الحقيقة، إظهار البلاغة من الكتاب العزيز، وبيان ذلك في كل
جملة (من) جمله.
فإن البلاغة - كما أطبقوا - مناسبة المقال مقتضى الحال.
وهذا الكتاب لبيان الداعي إلى وضع كل جملة في مكانها، وإقامة
حجتها في ذلك وبرهانها، لأن هذا العلم - على العموم - علم تعرف منه
علل الترتيب.
وموضوعه: أجزاء الشيء المطلوب علم مناسبته من حيث الترتيب.
وثمرته: الاطلاع على المرتبة التي يستحقها الجزء بسبب ما له بما
وراءه، وما أمامه من الارتباط والتعلق، الذي هو كلحمة النسب.
فعلم مناسبات القرآن: علم تعرف منه علل ترتيب أجزائه، وهو سر
البلاغة لأدائه إلى تحقيق مطابقة المقال، لما اقتضاه الحال.
وتتوقف الِإجادة فيه على معرفة مقصود السورة، المطلوب ذلك فيها.
ونسبته من علم التفسير، نسبة علم المعاني والبيان من النحو، فهو غاية
العلوم.
قال الِإمام بدر الدين الزركشي: قد قل اعتناء المفسرين بهذا النوع
لدقته، وممن أكثر منه: الإِمام فخر الدين، وقال في تفسيره: أكثر لطائف
القرآن مودعة في الترتيبات والروابط.