ولم يحصر القاضي أبو بكر السجع بمعيار يضبطه، وزمام يربطه، بحيث
يميزه عن غيره.
وهو عندي: تكلف الإِتيان بالكلام على روي واحد، وقافية متزنة، من
غير أن يكون موافقاً لشيء من أنحاء الشعر، وقل ما يكون ذلك.
كما أن الشعر: تكلف الإتيان بالكلام على روي واحد، وقافية واحدة.
مع التقييد بالوزن من بحر واحد.
وهنا يضطر الشاعر والساجع - ولا بد - إلى اتباع المعنى اللفظ، فيصبحِ
اللفظ على ذلك النوع الذي التزمه، لئلا يَعُدّه الناظمون والساجعون عاجزاَ
وعن الاقتدار على صوغ الكلام قاصراً، فينتقص المعنى لهذا الالتزام، في كثير من المواضع غصباً عليه، فيصير أسير الألفاظ، وعبد الأوزان.
هذا ما لا بد منه لكل شاعر، وإن تفاوت الناس فيه، وليس - قطعاً -
كذلك القرآن وسيأتي لذلك مزيد تفصيل وبيان.
ولهذا فرق النبي - ﷺ - في بعض الكلام، بين الدخيل في ذلك والأصيل، الذي صارت له فيه ملكة صيرت قدرته عليه أشد من قدرة غيره.
قال أهل المغازي - وذكره عنهم الحافظ أبو بكر البيهقي في دلائل
النبوة - لما كانت عزوة الخندق، وعمل النبي - ﷺ - في الخندق بنفسه الشريفة
رأى المسلمون أنه إنما بطش معهم ليكون أجدَّ لهم، وأقوى لهم بإذن الله عز
وجل فجعل الرجل يضحك من صاحبه إذا رأى منه فترة، وقال النبي - ﷺ -: " لا يغضب اليوم أحد من شيء ارتجز به، ما لم يكن قول كعب، أو


الصفحة التالية
Icon