جليل سالم، وجب أن يأتي به سالماً، لأنه لا حَظَّ للتزويق منه - ﷺ - في قول، ولا في فعل، ولا حال أصلاً، ولم يكن أحد ممن كان يحاوره في ذلك يساويه في البلاغة حتى يذوق هذا الذوق من قبل أن ينبهه - ﷺ -. والله الهادي.
وأعلم أن هذا القول، وهو: أن النبي - ﷺ - عالم بأصل الغريزة بانحاء الشعر، معرض عن استعمال ذلك، لما فيه من المعايب، غير معول على شيء منه، لما يوقع فيه من النقائص ما لا بد من اعتقاده، ولأدى الحال إلى أمر فظيع.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب "الإعجاز، ما معناه: "إن من كان
ناقصاً في نوع من أنواع البلاغة في شيء من وجوه الخطاب، لم تقم عليه
الحجة بالقرآن حتى يعلم عجزه الكامل في ذلك النوع، ثم قال: فأما من كان متناهياً في معرفة وجوه الخطاب، وطرق البلاغة، والفنون التي يمكن فيها إظهار الفصاحة، فهو متى سمع القرآن، عرف إعجازه.
وإن لم نقل ذلك، أدى الحال إلى أن يقال: إن النبي - ﷺ - لم يعرف إعجاز القرآن حين أوحى إليه، حتى سَبَرَ الحالَ، بعجز أهل اللسان عنه، وهذا خطأ من القول.
فصح من هذا الوجه: أن النبي - ﷺ - حين أوحى إليه القرآن عرف كونه معجزا، وعرف بأن قيل له: إنه دلالة وعلم على نبوتك.
إنه كذلك من قبل أن يقرأه على غيره، أو يتحدى إليه سواه.
ولذلك قلنا: إن المتناهى في الفصاحة، والعلم بالأساليب التي يقع فيها
التفاصح متى سمع القرآن، عرف أنه معجز، لأنه يعرف من حال


الصفحة التالية
Icon