وعلى هذا دلت تسميتها بمريم، لأن قصتها أدل ما فيها على تمام
القدرة، وشمول العلم، لأن أغرب ما في المخلوقات وأجمعه خلقاً الآدمي
وأعجب أقسام توليده الأربعة: ما كان من أنثى بلا توسط ذكر، لأن ذلك
أضعف الأقسام، وأغرب وجوه ذلك، أن يتولد منها - على ضعفها - أقوى النوع، وهو الذكر، ولا سيما وقد أوتي قوة في الخلق والخلق، كما دل عليه وصفه هنا بغلام، ولا سيما وقد أوتي قوة الكلام والعلم والكتاب، التي هي خواص الآدمي في حال الطفولية، ولا سيما إذا انضم إلى ذلك أن يخبر بسلامته الكاملة التي لا يشوبها نوع من عطب، فيكون الأمر كذلك، لم
يقدر - ولا يقدر - أحد مع كثرة الأعداء، على أن يمسه بشيء من أذى، ثم حفظ في هذه المدد الطويلة، والدهور المديدة، في جميع جواهره وأعراضه.
هذا إلى ما جمعته القصة من إخراج الرطب في غير حينه من يابس
الحطب ومن إنباع الماء في غير موضعه، وعلى مثل ذلك أيضاً دلت تسميتها، بما في أولها من الحروف المقطعة.
بيان ذلك: أن مخرج الكاف من أقصى اللسان، مما يلي الحلق ويحاذيه
من أسفل الحنك، وهي أدق مخرج القاف قليلاً إلى مقدم الفم، ولها من
الصفات الهمس، والشدة، والانفتاح، والاستفال.
ومخرج الهاء من أقصى الحلق، لكنها أدق من الهمزة، إلى جهة اللسان
قليلا، ولها من الصفات: الهمس، والرخاوة، والانفتاح، والاستفال والخفاء.


الصفحة التالية
Icon