ففي قوله: "أقلوا الرواية" ما يبين أنه لم يرد بتجريد القرآن ترك
الرواية عن رسول الله - ﷺ -، وإنما أراد - عندنا - علمُ أهلِ الكتاب.
وأيد ذلك بأن عبد الله نفسه كان يحدِّث عن النبي - ﷺ - بحديث كثير، ثم قوى أنه إنما حثهم على أن لا يتعلم شيء من كتب الله عز وجل، لأن ما خلا القرآن من كتب الله، إنما يؤخذ عن اليهود والنصارى، وليسوا بمأمونين عليها.
وروى فيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أنه قال: من
أشراط الساعة: أن تُوضع الأخيار، وتُرفع الأشرارُ، وأن تُقرأ المثنَاةُ على
رؤوس الأشهاد، لا تغَيرُ قيل: وما المثنَاة؟.
قال: ما استُكْتِبَ من غير كتاب الله.
قال أبو عبيد: فسألت رجلاً من أهل العلم بالكتب الأولى عن المثناة
فقال: إن الأحبار والرهبان من بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام، وضعوا
كتاباً فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله عز وجل، فسمَّوْه المثناة كأنه يعني: أنهم أحلوا فيه ما شاءوا، وحرموا فيه ما شاءوا، على خلاف كتاب الله.
فبهذا عرف تأويل حديث عبد الله بن عمرو، وأنه إنما كره الأخذ عن
أهل الكتاب لذلك المعنى، وقد كانت عنده كُتُب (وقعت) إليه يوم