وقف على هذا القياس الجلى، حتى أعلم ما يقول فيه، ويتلو قوله
تعالى: (قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩).
وترتيب القياس أن يقال: الله أنشأ العظام، وأحياها أول مرة، وكل
من أنشأ شيئاً وأحياه أول مرة، فهو قادر على إنشائه وإحيائه ثاني مرة، ينتج: أن الله قادر على إنشاء العظام وإحيائها بعد إفنائها.
فلما اختصت بذلك عن باقي القرآن، كانت قلباً له، كما قال
النبي - ﷺ -، على ما سياتي في الفضائل.
هذا ما هداني الله - وله الحمد - إليه، من بيان السر في كونها قلباً.
ثم رأيت البرهان النسفي قال في تفسيره في آخر السورة، بعد أن ذكر الحديث في تسمية النبي - ﷺ - لها قلباً: قال الغزالي فيه: إن ذلك - أي كونها قلباً - لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر، والحشر متقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعلت قلب القرآن لذلك.
واستحسنه الإِمام المحقق فخر الدين الرازي.
ويمكن أن يقال: إن هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة:
الوحدانية والرسالة، والحشر، بأقوى البراهين.
فابتدأها ببيان الرسالة بقوله: (إنك لمن المرسلين) ودليله: ما قدمه عليها بقوله: (والقرآن الحكيم)، وما أخره عنها بقوله: (لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم) وأنهاها ببيان الوحدانية والحشر.


الصفحة التالية
Icon