الدارين، وبإهماله ونسيانه يكون فسادها فيهما.
هذا ما شاركت به غيرها مما جمعته من جميع معانيه المجموعة في الفاتحة
من الأسماء الحسنى: الله، والرب، والرحمن، والرحيم، ومالك يوم الدين.
الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، والأمر بالعبادة بسلوك الصراط
المستقيم، وتفصيل أهل النعيم، وأهل الجحيم، وإثبات الأصول الثلاثة التي
يصير بها المكلف مؤمناً: الوحدانية، والحشر، والرسالة، التي هي قلب
الوجود، وبها صلاحه، وهي ممدة لكل روح يكون به حياة هنيئة، وهي مبدأ
الصلاح، كما أن البعث غايته وأن الخاتم لها إنسان عين الموجوادات
وقلبها، فأثبت له ذلك على أصرح وجه وآكده.
ومع جمع ما افتتحت به السورة من الحروف المقطعة، المنشورة أول
السور، عمادا للقرآن وشحذا للأذهان، لصنفي المنقوطة أو العاطلة، ووصفى المجهورة والمهموسة.
ولما كان القلب من الإِنسان المقصود بالذات من الأكوان، في نحو ثلث
بدنه من جهة رأسه وكانت الياء في نحو ذلك من حروف أبجد، فإنها
العاشرة منها. والسين بذلك المحل من حروف أب ت ث، فإنها الثانية عشرة
منها وعَلَا هَذَانِ الحرافانِ بما فيهما من الجهر عن غاية الضعف، ونزر بما لهما
من الهمس عن نهاية الشدة، إشارة إلى أن القلب الصحيح هو الزجاجي
الشفاف، الجامع بين الصلابة والرقة، الذي علا بصلابته عن رقة الماء.
الذي لا تثبت فيه صورة ونزل بلطافته عن قساوة الحجر، الذي لا يكاد
ينطبع فيه شيء إلا بغاية الجهد، فكان جامعاً بين الصلابة والرقة متهيئاً لأن
تنطبع فيه الصور وتثبت، ليكون قابلًا مفيداً، فيكون متخلقاً من صفات
مُوجَدةٍ بالقدرة والاختيار، اللذين دلت عليهما سورة الملائكة، وبمعرفة الخير
فيجتلبه والشر فيجتنبه، فيكون فيه شاهد من نفسه على الاعتقاد الحق في
صانعه.


الصفحة التالية
Icon