أن يكون قرآناً، ولا يفيد الدليل أنهما قرآن إلا بدعوى ذلك.
وإن قيل: إن ذلك هو مرادهما، لأنهما في مقام الاستدلال، كان خروجاً
عن الظاهر. لا لحاجة بل لإثبات فساد، وهو الفساد الثاني الذي يلزم في حق ابن مسعود رضي الله عنه.
لأنه لا يخلو حينئذ، أما أن يقال: إنه أقدم على حك السورتين كاملتين
بعلم، أو بغير علم.
والمراد بالعلم: القطع، وهو الصفة التي توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض.
فإن قيل بغير علم، لزم عنيه نسبة هذا الصحاب الجليل الذي
مناقبه - لا سيما في العلم بشهادة المصطفى - ﷺ - أكثر من أن تحصى إلى هذا الأمر الفظيع، الذي يتحاشى عنه أحاد المسلمين.
وإن قيل: إن إقدامه على ذلك بعلم، لزم منه نفى كونهما قرآناً، ولا
يخفى ما فيه من الشناعة والطعن على سائر الصحابة، رضوان الله عليهم
أجمعين.
وأما إنه لا يلزم شيء على القول بأن المراد إنكار "قل" فلأنه يكون من
إطلاق المعوذتين على كلمتين منهما مجازاً، بدلالة التضمن.
وقوله: إنما أمر النبي - ﷺ - أن يتعوذ بهما - أي السورتين - دليل على حذف "قل"، لأن المتعوذ لا يقول لمن يستعيذ به: في أعوذ، فيكون آمِراً بالتعوذ، لا متعوذاً.
والضمير في قوله: وكان عبد الله لا يقرأ بهما: للكلمتين، وليسا بأول
ضميرين اتسقا، وعاد كل منهما على ما هو له، بقرينة، وإقدامه على حكهما، لأن النبي - ﷺ - أقرأه السورتين بدونهما، كما هو ظاهر في إقرائه - ﷺ - لعبد الله الأسلمي رضي الله عنه حين قال له: قل أعوذ برب الناس، فقال: أعوذ برب الناس، فلم يلقنه "قل" وكذا إقراؤه لعبد الله بن الشخير، ولعقبة رضي النّه عنهما
وبعض الروايات كما مضى، فليستا في قراءة عبد الله رضي الله عنه.