تكريم الأمومة وقرابتها جعل لأولاد الأمّ ميراثًا لا يقل عن السدس، ولا يزيد على الثلث، وجعلهم يستحقونه بوصف أنهم كلالة، أي: لا يوجد ميراث بأصول وفروع، ومع ذلك جعلهم يرثون مع وجود الأم.
ثانيًا: أن يكون الميراث للأقرب فالأقرب، لأنَّ العبرة في استحقاق الميراث أن يكون لمن يعد وجودهم امتدادًا لحياة المتوفَّى في الوجود، ولذلك كان أكبر الأسرة حظًّا في الميراث الأولاد، وأولادهم الذين ينتسبون إليه.
ومع أنهم أكثر الأسرة حظًّا في الميراث لا ينفردون به، بل يشاركهم فيه الأبوان والزوجان، وإنهم ليشاركونهم بمقدارٍ قد يصل إلى النصف أو إلى قريب منه.
وأنَّ مشاركة غيرهم إنما هي لمنع تركيز المال في ورثة بأعيانهم، فالأبوان إذ يأخذان مع الأولاد الثلث يكون من بعدهما لأولادهما، وهم غالبًا إخوة مع الأولاد إن كانوا إناثًا، وبذلك يتبين أنَّ كَوْن الميراث للأقرب لا يمكنه من الاستئثار بالتركة وحده.
والثالث: مما يلاحظ في الميراث مقدار الحاجة، فكلما كنت الحاجة أشد كان قدرت الميراث أكبر، ولعلّ ذلك هو السر في أن نصيب الأولاد كان أكبر من نصيب الأبوين، مع أنه من المقرر شرعًا أنَّ للأبوين في مال أولادهما نوع ملك، كما ورد في الحديث $"أنت ومالك لأبيك"، ولكن حاجة الأولاد إلى المال أشد؛ لأنهم في غالب الأحوال ذرية ضعاف يستقبلون الحياة، ولها تكليفاتها المالية، والأبوان يستدبران الحياة، ولهم فضل من المال، فحاجتهما إلى المال ليست كحاجة الذرية الضعاف، وفوق ذلك أنَّ ما يرثانه يكون لأولادهما، ولا يكون منه لهذه الذرية الضعاف.
وإن ملاحظة الأكثر احتياجًا هي التي جعلت نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى؛ وذلك لأنَّ التكليفات المالية على الذكور، وتكليفات الرجل المالية أكثر من تكليفات المرأة، فهو المطالب بنفقة المرأة نفسها، وهو المطالب بنفقة الأولاد وإصلاح حالهم، وهو الذي يمد الأسرة بكل حاجاتهم، وإن الفطرة الإنسانية هي التي جعلت المرأة قوامة على البيت، والرجل كادحًا عاملًا لتوفير القوت، فكانت قاعدة أنَّ العطاء في الميراث على قدر الحاجة موجبة لجعل حق الرجل أكبر من حق المرأة، فالأخ يحتاج إلى المال أكثر من أخته، وإن ملاحظة الحاجة هي العدل، والمساواة عند تفاوت الحاجة هي الظلم، فأولئك الذين يطالبون بمساواة المرأة في الميراث مع الرجل لا يطلبون المساواة العادلة.
والرابع: إنَّ الشارع الإسلامي كما لاحظنا في ميراث الأولاد اتجه إلى التوزيع بين الأقارب بدل التجميع، فهو لم يجعل وارثًا يستبد بالتركة كلها، لم يجعل الميراث للولد