تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢، ٣].
وإنَّ هذا النص يدل على ثلاثة أمور: أولها: إنَّ عقاب الزاني والزانية مائة جلدة قوية شديدة رادعة لا رأفة فيها.
وثانيها: إنَّ هذا العقاب الشديد الرادع يكون علنيًّا يشهده طائفة من المؤمنين. ثالثها: إنَّ الزاني الذي يعلن زناه لا يرضى به إلا ز انية أو مشركة، وأن الزانية لا يرضى بالزواج منها إلّا زانٍ أو مشرك، وأنَّه من المحرَّم على المؤمنين أن يتزوجوا من الزناة، ومفهوم النص أن ذاك التحريم إن لم تكن توبة.
عقوبة العبد على النصف من الحر:
٢٠٥٩- هذا التقدير للعقوبة في الزنى إنما هو على الأحرار من الرجال والنساء، أما العبد والإيماء فعقوبتهم نصف هذه العقوبة، فلا يجلدان إلّا خمسين جلدة، وقد ثبت ذلك بنص القرآن الكريم بالنسبة للإماء، وثبت بقانون المساواة بين الرجل والمراة أنَّ العبد تنصف عنه العقوبة، وهذا نص القرآن الكريم الحكيم؛ إذ يقول -سبحانه وتعالى: ﴿مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء: ٢٥، ٢٦].
وإن هذا النص يدل على أنَّ الأَوْلَى بالمؤمن ألَّا يتزوج إلَّا حرة، ولا يتزوج أمة إلا إذا عجز عن الزواج بالحرة، حتى لا يعرض أولاده للرق، وأنَّ الإماء أولى بهنّ مالكهن يدخل بهن، فيكون أولاده منها أحرارًا، وتعتق هي بولدها من مالكها، فيكثر الأحرار.
وتدل الآية ثالثًا على أنَّ الأمة المتزوجة عقوبتها خمسون جلدة.
وبمقتضى المساواة في الأحكام كما أشرنا تكون عقوبة العبد أيضًا منصفة.
ونظرة صغيرة في الموازنة بين شريعة القرآن وشريعة الرومان، لقد كان الرومان يضاعفون عقوبة العبد إن ارتكب جريمة، ويخففون العقوبة على الحر، فهم يقولون: إنَّ العبد إذا زنى بحرة يقتل، وأمَّا الشريف الروماني فإنه إذا زنى يغرم غرامة بسيطة،


الصفحة التالية
Icon