البيانية والبلاغية للألفاظ القرآنية، وقد حاول في اللغة الفرنسية بعض العلماء الأوربيين المتخصصين في العربية ترجمة القرآن برتبته البلاغية، فقضى في محاولة ترجمة آية مدة طويلة، وانبتَّ دون ذلك.
د- وأن القرآن الكريم له عدة قراءات متواترة، وكل قراءة، وهي متلاقية في معانيها، وليست يقينًا متضاربة، بل إنَّ بعض القراءات تزيد معاني عن القراءة الأخرى، أو توجه معناها في اتساق محكم دقيق لا خلل فيه، بل لا يتصوّر قط أن يكون فيه خلل، وإنَّ التفسير المحكم هو الذي يذكر ذلك التلاقي، فمثلًا قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢٨] فقد قرِئَت بضمِّ الفاء، وهي تدل على أنَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- من العرب أنفسهم، وليس غريبًا عنهم، وقرِئَت بفتح الفاء، وهي تدلَّ على أنه من أعلاها نسبًا وخلقًا ومكانة وشرفًا، وبضم القراءتين يكون المعنى أنَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- من أعلى العرب.
هذه بعض الأسباب التي توجب أن يكون للقرآن تفسير، وإن كان بيِّنًا مفهومًا، وهناك وجه للتفسير لا بُدَّ من الإشارة إليه، وهو بيان الأسرار التي تضمنتها ألفاظ القرآن، وتضمنها علم الكتاب من غير إرهاق للألفاظ، ولا إعنات لمعانيه.
وإن من كتب التفسير ما حاول الكاتبون لها بيان الأسرار البلاغية في بعض ألفاظ القرآن كالزمخشري كما أشرنا، ومن جاء بعده من المفسرين الذين نهجوا منهاجه وزادوا عليه، وقالوا في آيات مثل قوله، وثَمَّة آيات لم يتعرَّض لبيان أوجه البلاغة فيها.
مناهج التفسير:
٢٤٦- إنَّ المناهج في التفسير تختلف باختلاف ما يستعين به المفسر من مصادر التفسير، وإنَّ الذي يمكننا أن نحصيه من مصادر التفسير للقرآن أربعة:
أولها: المأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
ثانيها: المأثور من أقوال الصحابة الكرام، وتلاميذهم الذين اتبعوهم بإحسان، ونقلوا تفسيرهم؛ كمجاهد الذي نقل عن ابن عباس -رضي الله عنهما.
ثالثها: اللغة؛ إذ هي في ذاتها أداة التعبير، ولا يمكن الاستغناء عنها في أيِّ منهاج من مناهجه، فهي لا تعد مصدرًا مستقلًّا؛ إذ هي تدخل في كل المصادر.
رابعها: الرأي، وهو يعتمد ابتداءً على اللغة، وعلى مصادر الشريعة ومواردها ومراميها، وغاياتها، وأسرار القرآن، وتعرُّف وجوهه.
ولا شكَّ أنَّ اللغة هي الساس الأول لكل هذه المصادر، ولا نقصد باللغة ما تومئ إليه المعاجم فقط، فإنَّ تفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يمكن أن يكون مخالفًا للعربية ومعانيها؛ لأنه العربي الذي ينطق بجوامع الكلم، وليس في الكلام العربي ما يكون أصدق مصدر للاستعمال العربي الصحيح من أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم.