الظاهر والباطن:
٢٥٥- يدَّعي بعض فرق الشيعة أنَّ للقرآن ظاهرًا وباطنًا، وأن الباطن له باطن حتى يصل العدد إلى سبعة بواطن، وأنَّ معرفة القرآن معرفة صحيحة كاملة لا تكون إلَّا بمعرفة هذه البواطن، وليس علمها عند كل إنسان، بل أوتي العلم بالبواطن كلها الإمام المعصوم، والأصل أنَّ علم هذه البواطن كلها كان عند النبي -صلى الله عليه وسلم، وقد أودعها من بعده علي بن أبي طالب، وعلي أودعها عند موته الإمام من بعده، وهكذا توالت النفوس في أخذ هذه الوديعة إمامًا عن إمام حتى وصلت إلى الإمام المستور المغيب.
وقد تولى القاضي عبد الجبار إدحاض ذلك الرأي، وبيِّن أنه لا أساس له من العقل ولا النقل، فقال عن هذا الرأي: حكي ذلك عن قوم من الأوائل؛ لأنهم زعموا أنه ينطبع في النفس مثل المدركات، فيعرفه المدرك، على أنَّ هذه الطبقة خارجة عن حد من يناظر ويتكلم؛ لأنها تبنى على الحيل. وإنما تقع المناظرة من أهل الديانات دون من يجعل من يبتدئه ويعيده مبنيًّا على الخديعة والاستشكال، والتوصل إلى استباحة المحذور، ويرى أنَّ المذاهب كلها واحدة، وأنَّ الواجب أن يظهر لكل فرقة ما يقرب به إليها، ولا ينفر بالمخالفة إلى سائر ما يحكى عنهم، ولو بنوا الأمر على طريقة النظر ما أقدموا على هذا القول مع وضوح فساده، ولكنهم توصلوا بذلك إلى الاحتيال على الناس، فقالوا: إنَّ القرآن له ظاهر وباطن، وتنزيل وتأويل، وإن الأثر قد ورد بأن تنزيله مفوَّض إلى النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم، وتأويله إلى عليّ -رضي الله عنه، ثم إلى سائر الحجج -أي: الأئمة، وأنه لا بُدَّ من معرفتهم ليصح أن يعرف مراد الله تعالى، فجعلوا ذلك طريقًا إلى القدح في الإسلام والدين؛ لأنه مبني على القرآن والسنة، فإذا أخرجوا من القرآن ما يعرف به الشيء، وكذلك السنة وجعلوهما ظاهرين، وجعلوا المرجع إلى الباطن الذي لا يعلم إلَّا من جهة الحجة "الإمام"، ولا حجة في هذا الزمان، فقد سدوا باب معرفة الإسلام، وطعنوا فيه، فعظمت مضرتهم"١.

المغني ج١٦ ص٣٦٤ والذين يقولون لا فرق بين المذاهب والديانات بعض الصوفية الذين يدَّعون الوصول إلى الحقيقة، ولعلهم من أصل باطني.


الصفحة التالية
Icon