بصيرته، وكلما علا إدراكه علا فهمه للقرآن، وعلم منه ما لم يكن يعلم، وفهم من بعض أسرار إعجازه ما لم يكن يفهم من قبل.
وإنه لكمال الاحتياط يجب أن يكون النشر بحيث لا يفهم أنه ترجمة لآي القرآن مباشرة، بل يكون الطبع على الوجه الآتي:
أ- يطبع المصحف في وسط الصفحة وترقّم آياته بأرقام أفرنجية، ويكتب حول تفسير كل آية مرقَّمًا برقمها الذي رقمت به الآية، بحيث يكون القرآن مكتوبًا بلغة القرآن، والتفسير مكتوبًا باللغة العربية.
ب- يكتب تفسير باللغة التي ترجم إليها التفسير مرقَّمًا بالأرقام التي رقِّمت بها آيات المصحف، وبحيث يفهم القارئ غير العربيّ أن ما يقرؤه هو ترجمة تفسير للقرآن، وبحيث يفهم تفسير كل آية من رقمها الذي رقمت به في المصحف، وفي التفسير، وإن هذا النظام الفكري والطابعي يحقق مقاصد ثلاثة:
أولها: وضع تفسير موجز باللغة العربية يمكن طبعه مع المصحف من غير ترجمته، وذلك مقصد سليم مطلوب في ذاته، يسهل على القارئ العربي فهم القرآن وهو يتلوه أو يستمع إلى من يتلوه، وبذلك تتحقق العظة، ويتحقق الاعتبار، ويكون الانتفاع كاملًا لمن يعرف العربية.
ثانيها: أن يقرأ القارئ الأعجمي القرآن الذي يحفظه من غير أن يفهم، وبإيجاد التفسير بلغته يتمكَّن من فهم القرآن، ويسهل عليه ذلك أن يعرف العربية إن اتجه إلى معرفتها؛ لأنه حفظ كثيرًا من عباراتها القرآنية وفهم معناها، وقد نفذت ذلك فعلًا بعض البلاد الإسلامية، فالإيرانيون قد كتبوا تفسيرًا للقرآن باللغة الفارسية طبع في هامش المصحف الشريف، وكذلك فعل الأفغانيون، والباكستانيون.
ولو كان التفسير العربي الذي تكتبه طائفة من أهل الذكر، ترجم إلى لغات أولئك لكان العمل أسلم وأتقن وأجدى.
المقصد الثالث: الذي يحققه ذلك العمل الجليل هو تصحيح ما سمَّوه تراجم للقرآن في اللغات الأوربية، وبيان وجه الخطل فيها، وإبطال التحريفات لمعانيه الجليلة، فإنَّ بعض الذين تولَّوا الترجمة لم يكن مقصدهم العلم لذات العلم، بل كان مقصد الكثيرين منهم تشويه معاني القرآن الكريم، وفوق ذلك فإنَّ الأوربيين يجدون السبيل لرؤية القرآن، فإن أرادوا أن يمشوا فيه مخلصين أدركوه، وآمنوا به واهتدوا.
وإن قصدوا إلى النور بعيون ضالَّة، وقلوب مريضة، ونفوس أركست في الهوى، فلن يزدادوا إلَّا عمى، قال تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾.