لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] وذلك يناسب رسالته التي هي خاتم الرسائل الإلهية التي جاء بها محمد رسول الله تعالى خاتم النبيين، بصريح القرآن الكريم، فلا نبوة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم.
فكان المناسب أن تكون المعجزة من نوع الكلام الخالد الباقي، كما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من نبي إلّا أوتي ما مثله آمن عليه البشر، وكان الذي أوتيته وحيًا به إليّ، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا إلى يوم القيامة" كما روينا من قبل، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام.
وإنه معجزة للخليقة كلها، وفيه الدليل على أنه من عند الله للناس أجمعين، فهو إن جاء بلسان العرب، وفيه أعلى درجات البيان العربي، يشتمل في ثناياه على ما يعجز الناس أجمعين، فإذا كان قد أعجز العرب ببيانه، فقد أعجز الناس أجمعين بمعانيه وشرائعه، وما اشتمل عليه من علوم، بل بمبانيه أيضًا، قال منزله -عز من قائل: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨] تعالت كلمات الله تعالى.
تلقي العرب للقرآن:
٢٨- كلف محمد -عليه الصلاة والسلام- أن يستعد للقاء الرسالة الإلهية لينشر التوحيد والخلق المستقيم والعبادة الخالصة لله تعالى بين الناس، وكان تكليفه بالقرآن وأول نزوله، فقال له جل جلاله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ١-٥].
تقدم محمد للدعوة إلى ربه معتمدًا على أمرين بعد تأييد الله تعالى له وإعزازه، ومصابرته وأخذهم بالحسنى.
اعتمد أولًا على الحق الذي يدعو إليه، فالحق ذاته قوة لا تعدلها قوة عند النفوس التي لم تتعوج بمفاسد العصبية، أو التقليد المصم عن الحق، فذكر لهم التوحيد، وقد كانوا على إدراك له في الجملة، كما بيَّنَّا عند الكلام في القسم التاريخي عن بقاء بعض المأثورات عن إبراهيم -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتمَّ التسليم.
وكان التنبيه إلى أنَّ الأوثان لا يعقل أن تعبد، وإزالة ما حولها من أوهام، وما علق بها من خرافات ما أنزل الله بها من سلطان، وقد بَيِّنَ ذلك محمد -صلى الله عليه وسلم- على أكمل وجه.


الصفحة التالية
Icon