الإعجاز البلاغي:
٤١- أخذنا أولًا من أسباب الإعجاز ذلك السبب؛ لأنه الواضح بالنسبة للعرب، لأنه هو الذي شدَّه به العرب عند أول نزوله فحيَّرهم، وهم المدركون لأساليبه العارفون لمنهاجه، الذين يذوقون القول بأسماعهم ويدركونه بعقولهم، ويعرفون مواضع الكمال، ومواضع النقص في كل ما يسمعون من شعر، حتى إنَّهم يتجهون إلى مواضع الحسن، والمآخذ التي تؤخذ بلقانة فطروا عليها، ولباقة عرفوا بها.
ولنسق لك مثلًا من نقدهم، فلقد عرض بيتان في سوق عكاظ على الخنساء لحسان بن ثابت -رضي الله عنهما، فلمحت بقوة الملاحظة الناقدة ما فيها من عيوب تخفى إلا على من يذوق الكلام ذوقًا، ويدرك معانيه وألفاظه بأرب وفكر مستقيم.
قال حسان -رضي الله عنه:
لنا الجفنات الغير يلمعن بالضحى | وأسيافنا يقطرن من نجدة دما |
ولدنا بني العنقاء وابني محرق | فاكرم بنا خالًا، وأكرم بنا ابنما |
سقنا ذلك الخبر، وهو صورة لما كان عليه الذوق البياني، وإن كان هنالك شك في روايته، فإنّه يدل على أن روح النقد بالذوق المرهف كان مشهورًا بين العرب وكثيرًا.
هامش إعجاز القرآن للرافعي ص٢٥٥.