فيهما والتعاقب، وهذا هو الإعجاز في التصوير القرآني، فلا يصح أن يقال: يغشي الليل النهار، ويغشي النهار الليل، لأن الغشيان بمعنى التغطية إن تلاءم مع الليل، فلا يتلاءم مع النهار، لأنه تجلية ونور وضياء لا تغطية وقتام وظلام.
وتأمل كيف تقدمت السماوات بما فيها من آيات الله على الأرض بما عليها من نعم وآلاء، ليتسق ذلك ويتلاءم مع تقدم الليل على النهار كما تقدمت السماوات على الأرض، وقد ظهر فيها روعة الإعجاز في التصوير القرآني على نحو ما أشرنا إليه قبل ذلك.
تصوير الليل والنهار في آيات التسخير:
سخر الله -عز وجل- الليل والنهار لعباده بمعنى ذللهما وهيأهما لهم، وجعل كلا منهما يلبي حاجات البشر، ويستجيب لرغباته وطبيعته البشرية، التي تحتاج إلى كل منهما، وجاء التسخير هنا مرتين، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [إبراهيم: ٣٣]، وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: ١٢].
ومن روعة الإعجاز في التصوير القرآني في مجال ذكر النعم التي سخرها الله تعالى لعباده؛ لينتفعوا بها، مع تأتي النعمة الأكثر نفعًا والأعظم فضلًا للعباد متقدمة على ما دونها في النفع والفضل؛ لذلك تقدمت الشمس على القمر، لأن نعمة الشمس أكثر نفعًا وأعم فضلًا من نعمة القمر، ويؤيد هذا اتساق الآيات بعضها مع بعض، وتلاؤم ما