وتعاقبهما، سبحان الله الخالق الذي أحسن خلقه وأبدعه، وأما من حيث النظم القرآني المعجز في تصويره كيفية سلخ النهار عن الليل، فتغرب الشمس وتختفي أنوارها ويسود الظلام في الكون كله، وكيفية سلخ النهار تعتمد على انسحابه رويدًا رويدًا، فينخلع شيئًا فشيئًا، فكلما انسحب منه جزء أظلم الكون بمقدار هذا الجزء المنسحب، فيظهر فيه الليل، ليبدّد جزءًا من النهار، وفي هذا يصور حركة الأرض حول الشمس وحركة الأرض حول مدارها، فكلما اختفى جزء من ضوء الشمس يؤدي إلى ظلام جانب من الأرض بينما تضيء بقية الجوانب الأخرى، وهكذا حتى يختفي قرص الشمس كله، فيعم ظلام الليل، وأما من حيث الخيال القاسم على التشبيه الذي يقرر الحقيقة العلمية السابقة، فقد شبه هذا التعاقب الحثيث البطيء بعملية واقعية حقيقية، يتعامل معها الإنسان حين يقوم بسلخ جلد الحيوان عن لحم جسده شيئًا فشيئًا ليجسم بعض أسرار التعاقب في صورة محسة مألوفة تتمكن من النفس أيما تمكن، فيشكر الله -عز وجل- على الانتفاع بنعمتي التعاقب والطعام معًا، وأما من حيث تقديم الليل على النهار لإقامة الدليل على أن الأصل هو سيادة الظلام على كوكب الأرض لعدم وجود ذرات كافية في الفضاء، ثم يأتي النهار تاليًا له، فقد أثبته القرآن الكريم ذلك منذ خمسة عشر قرنًا، قبل أن يقرّره العلماء؛ فجاءت أكثر من خمسين آية تقدم فيها الليل على النهار، إلا في أربع آيات تقدم فيها النهار على الليل لغرض بلاغي، ومن الكثير الغالب قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾، ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾، وغيرها، ومن القليل قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا، وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ لمجاورة النهار