كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}، فهو دون جري الشمس في عدد الشدات، مما يمنحها سرعة أكثر، مع أنهم يسبحون بقدرته الخارقة: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾، وأما الصورة القرآنية المستمدة من الخيال لتقرير حقائق علمية سبق إليها القرآن قبل أن يصل إلى بعضها العلم الحديث، وذلك من خلال التشخيص الحي للكواكب الثلاث، فالشمس تجري كالإنسان لها إرادتها وعقلها، الذي يقيد السرعة مقدرة في إطارها ومستقرها وفلكها، لذلك انتهت الصورة القرآنية بهذا التذييل البديع من التقدير للعزيز العليم: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾، وأما التشخيص لحركة القمر والأرض معًا؛ فهو يعطي حركة أسرع من حركة الشمس حتى تصل إلى درجة السباق فلا تستطيع الشمس أن تدركهما؛ فكأن للقمر والأرض عقلًا وإرادة يقومان بتحديد أبعاد الحركة والسباق كما يظهر في قوله تعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾، وصورة الليل سابق النهار كناية عن حركة الأرض وسرعتها، ثم تأمل روعة التشخيص والتشبيه في قوله تعالى: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾، فالتعبير بالفعل "عاد" هلالًا كالعرجون كما كان في أول الشهر هلالًا أيضًا، وبتشخيص القمر في رحلته الشهرية حين يبدؤها هلالًا حتى يتكامل بدرًا، ثم يعود هلالًا كما بدأ، وما أروع تشبيه الهلال الذي تقادم عليه العهد مثل العرجون الذي قضى مدة حتى جفَّ وتقوَّس، كما توحي الصورة بمعانٍ أخرى وهي أن العرجون شيء تافه لا يلتفت إليه كالهلال تراه ضالًا في السماء، لا تتعلق به الأبصار، وأن كلًّا منهما موضع العناية؛ فالعرجون حامل الثمر والنفع، والهلال يرسل النور ويهدي الضال ليلًا، وأما دلالة التصوير المعجز على كروية الأرض وحركتها حول محورها في شهر، وحول الشمس في سنة، وكذلك


الصفحة التالية
Icon