لأن الفصل بين بداية النهار ونهاية الليل أمر غير ظاهر ولا فاصل، بل يحتاج إلى تأمل ومشاركة في إصدار القرار الفاصل بين الليل والنهار.
وكان لابد من تحريك الوجدان بصورة حية متحركة من الواقع المحسوس والملموس، مما لا يقبل الطعن أو الشك، وذلك حينما يظهر الخيط الأبيض من الفجر لا خيوط تزاحم خيط الليل الأسود، ولا خيوطه الكثيرة التي تمحو الخيط الأبيض، ثم التأكيد على الخيط الأبيض بأنه ليس بأشعة الشمس الذهبية، وإنما هو خيط يتفجَّر من نور الفجر.
كما أن التعبير بمن التي أفادت التبعيض عن الخيط الأبيض يدل على أن الأصل هو الليل، فمن أكل في نهايته وهو شاكّ فلا يفطر، لأنه الأصل، على العكس من الإسراع إلى الإفطار بالنهار قبيل الغروب، فصاحبه مفطر وعليه القضاء، لذلك كان من المستحب تأخير السحور وتعجيل الفطور بعد الغروب مباشرة.
تجد هذه الروعة بل أكثر إذا تأملت قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك بياض الصبح وسواد الليل" لعدي بن حاتم يصفه بعدم التأمل حين عمد بعد نزول الآية إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض، فجعلهما تحت وسادته جعل ينظر إليهما، فلما تبين له الأبيض من الأسود أمسك، فقال له: "إن وسادك إذن لعريض".


الصفحة التالية
Icon