وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [الكهف: ١-٣].
وهذه المعجزة الكبرى الأبدية، تحدَّى بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- المعاندين من الإنس والجن، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة، بعد أن انتهت إليهم صولتها، وجولتها، فبلغوا فيها القمة حتى تميَّزوا بها بين الشعوب والأجناس، لكنهم عجزوا عن التحدِّي والمجاراة مبهورين ببلاغته وسحره، وظلوا كفارًا معاندين مكابرين، يهذون في لجاجة وعناد، كما صورهم القرآن الكريم: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفرقان: ٥]، بل بلغوا في الخصومة والجدل أنهم ادعوا افتراء أن يأتوا بمثله: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: ٣١]، وقالوا أيضًا: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥]، وتحدَّى الإنس والجن على أن يأتوا بمثله فعجزوا: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨]، ولما عجزوا تحدَّاهم على أن يأتوا بعشر سور مفتريات: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ [هود: ١٣]، بل ترخص لهم في أن ياتوا بسورة واحدة: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣]، بل أقر أبلغ بلغائهم بالتسليم والاعتراف بأنه ليس من كلامهم ولا من شعرهم ولا من خطبهم، ولا من كلام الإنس ولا الجن، لأنه هزَّ أعماق نفوسهم


الصفحة التالية
Icon