بها القرآن الكريم مع أهل الكفر والعناد في مكة غالبًا؛ لينفذ إلى أعماقهم من جميع منافذ الإدراك في النفس؛ لئلا يكون لهم حجة بعد قصص الرسل وغيرها؛ فهم في عنادهم أشبه بالأطفال في قلة حيلتهم، وضعف موارد التلقي والاستيعاب عندهم، لذلك غلبت القصة على التنزيل في مكة المكرمة، وقد ضربت القصة القرآنية المثل الأعلى في الإثارة والتشويق، وجلال التعبير، ومثالية القيم الخلقية؛ فانبهرت بها عقول الأطفال، وأخذت بتلابيب عواطفهم، واستجابت لها وجداناتهم تأثرًا واقتناعًا، وخاصة القصص التي تثير فيهم مراحل طفولتهم المبكرة، وقد وصلت أحداث مراحلها إلى الإعجاز، الذي فوق طاقة البشر: مثل قصة طفولة موسى -عليه السلام- وإلقائه في اليم، ونجاته على يد عدوه اللدود فرعون؛ ليصير ولدًا حميمًا في معية أسرته، كما جاء في سورة القصص وغيرها، قال تعالى: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ، وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ، وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ


الصفحة التالية
Icon