هنا ليست على بابها، بل مفاضلة فريدة مطلقة بديعة، لأنها مفاضلة هنا بلا نظير ولا تنظير، كما قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: ٢٣]، فالنص البشري خاضع للذوق الأدبي الذي يختلف من عصر وناقد إلى عصر وناقد آخر، فلا تزال فيه الحقيقة غائبة، مهما بلغ القمة؛ لأن الكمال لله وحده، وكتاب الله جل جلاله القرآن الكريم هو الحقيقة وهو الحق المبين، الذي تقشعر منه الجلود، وتخر له الأذقان سجدًا في دموع وخشوع وذلة وتسليم، قال تعالى: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا، قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا، وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا، وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: ١٠٥- ١٠٩].
لذلك كان البشر هم موطن التمييز والأفضلية؛ لأن منهم أولوا العلم من الذين آمنوا؛ فهم جديرون بحمل أمانته وتكليفه، حتى يتفاضلوا على الملائكة الذين يعبدون الله بالليل والنهار لا يفترون، وتقاصرت دونهم العوالم الأخرى عاجزة، لا تستطيع حملها، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢]، لذلك اختص التصوير القرآني بالجلال، وهي الصفة