لذلك نجد عبد القاهر يتَّهم من سبقه بالخطأ في فهم الصور؛ فيقول: "وجدتهم قد قالوا ذلك من حيث قاسوا الكلامين على الكلمتين؛ فلما رأوا، إذا قيل في الكلمتين أن معناهما واحد، لم يكن بينهما تفاوت، ولم يكن للمعنى في أحدهما حال، لا يكون له في الأخرى، ظنوا أن سبيل الكلامين هذا السبيل، وقد غلطوا فأفحشوا؛ لأنه لا يتصور أن تكون صورة المعنى في أحد الكلامين أو البيتين؛ مثل صورته في الآخر البتة، اللهم إلا أن يعمد عامد إلى بيت، فيضع مكان كل لفظة منه لظفة في معناها، ولا يعرض لنظمه وتأليفه، كمثل أن نقول في بيت الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
ذر المفاخر لا تذهب لمطلبها... واجلس فإنك أنت الآكل اللابس
وما كان هذا سبيله كان بمعزل من أن يكونبه اعتداد... ولا أن يجعل الذي يتعاطاه بمحل من وصف، بأنه أخذ المعنى، وذلك لأنه لا يكون بذلك صانعًا شيئًا، يستحقّ أن يدّعي من أجله واضع كلام، ومستأنف عبارة، وقاتل شعر"١.
لذلك انقسم عنده من تناول معنى متحدًا إلى قسمين: قسم يكون فيه أحد الشاعرين قد أخفق في تصويره، لأنه أتى بالمعنى غفلًا ساذجًا، وترى الآخر قد أخرجه في صورة تروق وتعجب، وقسم ترى فيه شاعرًا