ومن المعروف أن المطلع على المنظر المخيف يعتريه الخوف أولًا ثم يفرُّ بعد ذلك، مما يتوهم أن هذه الصورة القرآنية في الظاهر تخالف الواقع، لكن المتأمل قليلًا يجدها تصور الحقيقة والواقع معًا، لأن المناظر الرهيبة تبث أوائل الفزع، وهذا يكفي ليكون حافزًا للفرار والجري، وكلما تخيل فظاعة المنظر ازداد خوفًا وجريًا، فيتكاثر الرعب في القلب حتى يتملئ عن آخره، لذلك عبرت الصورة القرآنية، بالامتلاء، لا بمجرد الخوف، لأن أول الخوف معلوم للمتلقي، فلايحتاج إلى ذكره بلاغة وإيجازًا، فقال تعالى: ﴿وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾، إنه الإعجاز القرآني في التصوير البديع الرباني: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨].
عدد أهل الكهف:
قال الله تعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [الكهف: ٢٢]، قال شيخ المفسرين حبر الأمة عبد الله بن العباس، حين عقب على تفسيرها، أن عليًّا بن أبي طالب -رضي الله عنه- من القليل الذين ألهمهم الله الصواب في تفسيرها، لأنه وصل إلى حقيقة العدد بأنهم سبعة وثامنهم كلبهم، عن طريق الإعجاز في التصوير القرآني بالحروف والكلمات والصور، وذلك حين عبر القرآن الكريم بالصورة الأولى لقول بعضهم في المستقبل: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾، أنه لم يفصل بين الثلاثة والأربعة، ولا بين الخمسة والستة بالواو، التي تقتضي


الصفحة التالية
Icon