الميلاد، وكان هذا إيذانًا بمعرفة سبيكة البرونز، ثم استطاع تحسين أفران الصهر للوصول إلى درجات حرارة أعلى مما كان عليه سابقًا، وبذلك استطاع استخلاص فلز الحديد منذ حوالي ٢٧٠٠ عام قبل الميلاد، واستطاع أن يصب الفلز وهو في حالة سائلة في قوالب تتلائم مع احتياجاته، وحفز انتاج الفلز نشاط الاستكشاف والبحث عن مصادر الخامات المعدنية، ونتج عن هذا ازدهار تجارة متخصصة في الخامات المعدنية، أو كتل الفلزات غير المصنعة أو أدوات مصنعة من الفلزات، وأفاضت هذه الصناعة والتجارة المتعلقة بها رخاء على مراكز الإنتاج وعلى مراكز تجارتها، وكان إنتاج الفلزات وتصنيعها قوة ومنعة للدول التي تقوم بها.
وحينما جاء الإسلام على يد رسول النور والهدى، كان العالم قد نال قسطًا من الحضارة، وقطع شوطًا في طريق المعرفة والتقنية، وحينما خاطب القرآن الكريم أهل الأرض وقتئذ ذكر لهم أشياء يعرفونها، ويرونها أو يسمعون بها ويعقلونها، وضرب الله في قرآنه المجيد أمثالًا للناس ليقرب إلى إدراكهم أشياء من الغيبيات مما يصعب على عامتهم استيعابها إلا بهذه الوسيلة.
والقرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان، فمنذ نزوله على العباد، لم تتوقف مسيرة المعرفة، وظلت هذه المسيرة بطيئة الخطى طوال الألف عام التي تلت نزول القرآن الكريم، ثم أسرعت خطى العلم التجريبي بدرجات مضاعفة إلى أن أصبحت تلك الخطى عدوًّا يأخذ بالأنفاس خلال القرن العشرين بعد الميلاد، وفي كل ما توصل إليه العلم الحديث من نتائج مبهرة، يبقى ما ورد في القرآن الكريم شاهدًا ومصدقًا، وداعيًا إلى الإيمان من خلال ما أفاء الله به على عباده من علم، وما يدعو إليه الحق من المزيد من العلم.


الصفحة التالية
Icon