يودي له بعض غرضه، ثم انتقى حجارة صلدة مما انفلت من الجبال وتناثر في سفوح تلك الجبال، وتعلم كيف يضعها بعضها فوق بعض فيبني بذلك حائطًا، ثم تعلم كيف يجعل من عدة حوائط حجرة أو بيتًا، ثم تعلم كيف يغطي تلك الحجرة، أو ذلك البيت بسقف من فروع الشجر وأعوادها وأوراقها.
﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً﴾ [النحل: ٨١].
وقد استمر الإنسان، خلال مدنيات لاحقة، في سكنى الجبال ولكنه هنا قد استطاع أن يثقب الجبال بصنع يده، ويجعل فيها بيوتًا ذات راحة ورونق:
﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾ [الفجر: ٩].
﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ﴾ [الحجر: ٩٢].
﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ﴾ [الشعراء: ١٤٩].
والمقصود هم قوم النبي صالح، وكانت لهم مساكن منحوتة في الصخر "بالحجر" المعروفة بمدائن صالح، وتقع في وادي القرى بين الحجاز والشام، وما زالت آثار هذه المساكن قائمة إلى اليوم.
كذلك توجد آثار لبيوت منحوتة في الصخر ناحية البتراء في الأردن، وهي آثار ذات نقوش جميلة وما زالت إلى اليوم محتفظة برونقها لذلك فهي مزار سياحي.
واقتطع الإنسان الحجر في بناء مساكن، وقصور وفي بناء منشآت لخدمة أغراض أخرى، ومع ما استطاع إضافته من العلم فقد كان ينتقي الأحجار ذات الصفات الطبيعية، والصفات الميكانيكية التي تصلح للغرض الذي يريد الحجر من أجله، ويهذب