وفي صحيح البخاري ما روي عن أبي بردة بن عبد الله قال: سمعت أبا بردة بن أبي موسى عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحًا خبيثًا".
وقبل زمن محمد -صلى الله عليه وسلم- بزمن طويل، كان النبي داود قد أتاه الله فضلًا من عنده، فعلمه كيف يروض الجبال فيستخرج منها الخامات المعدنية، وعلمه كيف يروض خام الحديد الذي يستخرجه، فيستخلص منه فلز الحديد ذا البأس والقوة، وعلمه كيف يحوّل هذا الفلز إلى مصنوعات أهمها صناعة الدروع.
﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ، وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٧٩-٨٠].
﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ، إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [ص: ١٧-١٨].
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١٠-١١].
ويظهر أن زمن النبي داود ومن بعده ابنه النبي سليمان، كان زمنا ازدهرت فيه صناعة استخراج، وتشغيل الفلزات الأساسية، فكما كانت نعمة الله على داود أنه ألان له الحديد، كذلك كانت نعمة الله على سليمان فيسَّر له استخراج خامات النحاس، وصهرها واستخلاص الفلز منها.