فعبّر بلفظة «خطي» عن جملة حروف أبجد.
ويقول القائل: (أب ت ث) وهو لا يريد هذه الأربعة الأحرف دون غيرها، بل يريد جميعها وقرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ، وهو يريد جميع السورة، ونحوها كثير، وكذلك عبّر الله بهذه الحروف عن جملة حروف التهجّي، والإشارة فيه أنّ الله تعالى نبّه العرب وتحدّاهم، فقال: إنّي قد نزّلت هذا الكتاب من جملة الثمانية والعشرين التي هي لغتكم ولسانكم، وعليها مباني كلامكم، فإن كان محمد هو النبي يقوله من تلقاء نفسه، فأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة مثله، فلمّا عجزوا عن ذلك بعد الإجهاد ثبت أنّه معجزة.
هذا قول المبرّد وجماعة من أهل المعاني، فإن قيل: فهل يكون حرفا واحدا عودا للمعنى؟
وهل تجدون في كلام العرب أن يقال: الم زيد قائم؟ وحم عمرو ذاهب؟ قلنا: نعم، هذا عادة العرب يشيرون بلفظ واحد إلى جميع الحروف ويعبّرون به عنه.
قال الراجز:
قلت لها قفي فقالت قاف | لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف «١» |
وأنشد سيبويه لغيلان:
نادوهم ألا ألجموا ألا تا | قالوا جميعا كلّهم ألا فا «٢» |
وأنشد قطرب في جارية:
قد وعدتني أم عمرو أن تا | تدهن رأسي وتفليني تا |
وأنشد الزجّاج:
بالخير خيرات وإن شرّا فا | ولا أريد الشرّ إلّا أن تا «٤» |
قال الأخفش: هذه الحروف ساكنة لأنّ حروف الهجاء لا تعرب، بل توقف على كلّ حرف على نيّة السكت، ولا بدّ أن تفصل بالعدد في قولهم واحد- اثنان- ثلاثة- أربعة.
(٢) تفسير القرطبي: ١/ ١٥٦.
(٣) لسان العرب: ١/ ١٦٤ وفيه: تفليني وا.
(٤) لسان العرب: ١٥/ ٢٨٨.