لعلّ المنايا مرّة ستعود وآخر عهد الزائرين جديد
وتكون بمعنى الترجّي والتمنّي كقولك: لعلّ الله أن يرزقني مالا، ولعلّني أحجّ.
وأنشد الفرّاء:
لعلّي في هدى أفي وجودي وتقطيعي التنوقة واختيالي
سيوشك أن يتيح إلى كريم ينالك بالذّرى قبل السؤال
ويكون بمعنى عسى تكون ما يراد ولا يكون كقوله: يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ «١». أي عسى أبلغ.
وقال أبو داود:
فأبلوني بليتكم لعلّي أصالحكم واستدرج نويا «٢»
أي نواي ويكون بمعنى كي على الجزاء كقوله: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ بمعنى لكي يفقهوا ونظائرها كثيرة وقوله: وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي لكي تهتدوا من الضّلالة.
قال الربيع: خاصم يهودي أبا العالية فقال: إنّ موسى كان يصلّي إلى صخرة بيت المقدس، فقال أبو العالية: كان يصلّي عند الصخرة إلى البيت الحرام فقال لي: بيني وبينك مسجد صالح فإنه نحته من الجبل فقال أبو العالية: قد صلّيت فيه وقبلته إلى البيت الحرام.
قال: فأخبر أبو العالية إنّه مرّ على مسجد ذي القرنين وقبلته الكعبة «٣».
كَما أَرْسَلْنا هنا الكاف للتشبيه ويحتاج إلى شيء يرجع إليه واختلفوا فيه فقال بعضهم:
هو راجع إلى ما قبلها والكاف من ما قبلها تقديره: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي كما أرسلت فيكم رسولا فيكون إرسال الرّسول شرطا للخشية مزيدا بإتمام النّعمة.
وقيل: معناه وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ كَما أَرْسَلْنا.
وقال محمّد بن جرير: إنّ إبراهيم دعا بدعوتين فقال رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ «٤» فهذه الدعوة الأولى.
والثانية قوله رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ «٥» فبعث الله الرسول وهو محمّد صلّى الله عليه وسلّم ووعد في هذه الآية أن يجيب الدّعوة الثانية أن يجعل من ذرّيته أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ فمعنى الآية: وَلِأُتِمَ
(١) سورة غافر: ٣٦. [.....]
(٢) النوي: هو الصاحب الذي نيته نيتك.
(٣) راجع تفسير الطبري: ٢/ ٤٨.
(٤) سورة البقرة: ١٢٨.
(٥) سورة البقرة: ١٢٩.


الصفحة التالية
Icon