[ومعناه] لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً من أمر الدّين وَلا يَهْتَدُونَ.
ثمّ ضرب لهم مثلا فقال عزّ من قائل وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا.
وسلكت العلماء في هذه الآية طريقين، وأوّلوها على وجهين: فقال قوم: أراد بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً مثل البهائم التي لا تعقل، مثل الإبل والغنم والبقر والحمير ونحوها، وعلى هذا القول: ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وعطاء والربيع والسدي وأكثر المفسرين. ثمّ اختلف أهل المعاني في وجه هذا القول وتقدير الآية.
فقال بعضهم: معنى الآية: ومثلك يا محمّد ومثل الّذين كفروا في وعظهم ودعائهم إلى الله عزّ وجلّ قاله الأخفش والزجّاج.
وقال الباقون: مثل واعظ الّذين كفروا وداعيهم.
كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ فترك ذلك وأضاف المثل إلى الّذين كفروا لدلالة الكلام عليه ويسمّى هذا النوع من الخطاب المضمر ومثله في القرآن كثير كقوله وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «١» قال الشاعر:
حسبت بغام راحلتي عناقا | وما هي وثبت غيرك بالعناق |
ولست مسلما ما دمت حيا | على زيد كتسليم الأمير «٢» |
فانعق بضأنك يا جرير فإنّما | منّتك نفسك في الخلاء ضلالا «٣» |
قال الحسن: يقول مثلهم فيما قبلوا من آباءهم وفيما أتيتهم به حيث لا يسمعونه ولا يعقلونه، كمثل راعي الغنم الذي نعق بها فإذا سمعت الصّوت رفعت رؤوسها فاستمعت إلى الصّوت والدّعاء ولا تعقل منه شيئا.
ثمّ تعود بعد إلى مراتعها لم تفقه ما يراد لها به، وقال بعضهم: معنى الآية وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا في قلّة عقلهم وفهمهم عن الله عزّ وجلّ وعن رسوله وسوء قبولهم عنهما كمثل المنعوق به من البهائم التي لا تفقه من الأمر والنّهي غير الصّوت فكذلك الكافر في قلة فهمه وسوء تفكّره
(٢) مجمع البيان: ١/ ٤٦٣.
(٣) تفسير الطبري: ٢/ ١١٣. [.....]