وقال ابن زيد: هؤلاء المشركون يجادلونه في الحق كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ [يعني] من يدعون للإسلام لكراهتهم إيّاه.
وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ الآية.
قال ابن عباس وابن الزبير وابن يسار والسدي: أغار كرز بن جابر القرشي على سرح المدينة حتّى بلغ الصفراء فبلغ النبيّ ﷺ فركب في أثره فسبقه كرز فرجع النبيّ ﷺ فأقام سنة وكان أبو سفيان أقبل من الشام في عير لقريش فيها عمرو بن العاص وعمرو بن هشام ومخرمة بن نوفل الزهري في أربعين راكبا من كبار قريش وفيها تجارة عظيمة. وهي اللطيمة. حتّى إذا كان قريبا من بدر بلغ النبيّ ﷺ فندب أصحابه إليهم وأخبرهم بكثرة المال وقلّة الجنود فقال: «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعلّ الله عزّ وجلّ ينفلكموها» [٢١٦] فخرجوا لا يريدون إلّا أبا سفيان والركب لا يرونها إلّا غنيمة لهم وخفّ بعضهم وثقل بعض.
وذلك أنّهم كانوا لم يظنّوا أنّ رسول الله ﷺ يلقي حربا فلمّا سمع أبو سفيان بمسير النبيّ ﷺ استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري وبعثه إلى مكّة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لعيرهم وأصحابه.
فخرج ضمضم سريعا إلى مكّة وخرج الشيطان معه في صورة سراقة بن خثعم فأتى مكّة فقال: إنّ محمدا وأصحابه قد عرضوا لعيركم ف لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ، فغضب أهل مكّة وانتدبوا وتنادوا لا يتخلف عنا أحد إلّا هدمنا داره واستبحناه، وخرج رسول الله ﷺ في أصحابه حتّى بلغ واديا يقال له: وفران، فأتاه الخبر عن مسير قريش ليمنعوا عيرهم، فخرج رسول الله عليه السلام حتّى إذا كانوا بالروحاء أخذ عينا للقوم فأخبره بهم وبعث رسول الله ﷺ أيضا عينا له من جهينة حليفا للأنصار يدعى ابن الأريقط فأتاه بخبر القوم، وسبقت العير رسول الله ﷺ فنزل جبرئيل فقال: إن الله وعدكم إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إمّا العير وإمّا قريش، وكان العير أحب إليهم فاستشار النبيّ ﷺ أصحابه في طلب العير وحرب النفير فقام أبو بكر فقال وأحسن وقام عمر وقال وأحسن، ثمّ قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله ونحن معك والله ما نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ «١»، ولكن اذهب أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إنّا معكم مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك العماد لجالدنا معك من دونه حتّى نبلغه.
فقال له رسول الله ﷺ خيرا ودعا له بخير، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشيروا عليّ أيّها الناس» [٢١٧].
وإنّما يريد الأنصار، وذلك أنّهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنّا براء من ذمامك
.