وعلّمه الله تعالى ساعات الليل والنهار وأعلمه عبادة الخلق في كل ساعة منها وأنزل عليه هبة الله وصار وصي آدم عليهما السلام وولي عهده، وأما قابيل فقيل له: اذهب طريدا شريدا فزعا مرهوبا لا يأمن من يراه فأخذ بيد أخته هبة الله ذهب بها إلى عدن من أرض اليمن، فأتاه إبليس، فقال له: إنما أكلت النار قربان هابيل لأنه كان يعبد النّار ويخدمها فانصب أنت نارا يكون لك ولعقبك فنصب نارا وهو أوّل من نصب نارا وعبدها.
قالوا: كان لا يمرّ به أحدا من ولده إلّا رماه، فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابن له فقال الأعمى: إنّ هذا أبوك قابيل فرمى الأعمى ابن قابيل فقتله. فقال ابن الأعمى: قتلت أباك. فرفع يده فلطم ابنه فمات قال الأعمى: ويل لي قتلت أبي برميتي وقتلت ابني بلطمتي.
قال مجاهد: فعلقت إحدى رجل قابيل إلى فخذه وساقه وعلقت يومئذ إلى يوم القيامة، ووجهه إلى الشمس حيث أدارت عليه بالصيف حظيرة من نار وفي الشتاء حظيرة من ثلج، قالوا:
واتّخذ أولاد قابيل آلات اللهو من اليراع والطنبور، والمزامير، والعيدان، والطنابر، وانهمكوا في اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزنا والفواحش حتى طوّفهم الله عز وجل بالطوفان أيام نوح (عليه السلام) وبقي نسل شيث.
قال عبد الله بن عمر: إنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار العذاب قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم.
الأعمش عن عبد الله بن مرّة عن مسروق بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تقتل نفس مسلمة ظلما إلّا كان على ابن آدم [الأوّل] كفل من دمه، لأنه أوّل من سنّ القتل» [٥٢].
مسلم بن عبد الله عن سعيد بن صور عن أنس بن مالك قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن يوم الثلاثاء فقال: «يوم دم» قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: «فيه حاضت حوّاء وقتل ابن آدم أخوه» «١» [٥٣].
وعن يحيى بن زهدم قال: حدّثني أبي عن أبيه عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «امتن الله عز وجل على ابن آدم بثلاث بعد ثلاث، بالريح بعد الروح فلولا إن الريح يقع بعد الروح ما دفن حميم حميما، وبالدودة في الحبة فلولا أن الدودة تقع في الحبة لأكنزها الملوك وكانت حبا «٢» من الدنانير والدراهم. وبالموت بعد الكبر، فإن الرجل ليكبر حتى يمل نفسه ويملّه أهله وولده وأقرباؤه فكان الموت أيسر له» «٣» [٥٤].

(١) تفسير القرطبي: ٦/ ١٤٠
. (٢) في المصدر: خيرا لهم
. (٣) تفسير القرطبي: ٦/ ١٤٢
.


الصفحة التالية
Icon