كنت غائبا فكرهنا أن نغتابك فقال لهم: نشد في التوراة لولا ضنيت التوراة أن تهلكني لما أخبرته به، فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلّم فرجما عند باب مسجده، وقال: «أنا أول من أحيا أمره إذ أماتوه» «١» [٧١].
قال عبد الله بن عمر: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما أمر برجم [اليهوديين فرأيته حنا عليهما ليقيهما بالحجارة] » ونزلت يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ «٣» فلا يخبركم به فوضع ابن صوريا يده على ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال: أنشدك بالله وأعيذك بالله أن تخبرنا بالكثير الذي أمرت أن تعفو عنه فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم عنه فقال له ابن صوريا: أخبرني عن ثلاث خصال أسألك عنهنّ، قال: ما هي؟ قال:
أخبرني عن نومك، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «تنام عيناي وقلبي يقظان» «٤» قال له: صدقت، فأخبرني عن شبه الولد بأبيه ليس فيه من شبهه أمه شيء أو شبهه أمه فيه ليس فيه من شبهه أبيه شيء، قال:
«أيّهما علا وسبق ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له» قال له: صدقت، فأخبرني ما للرجل من الولد وما للمرأة منه؟ قال: فأغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلّم طويلا ثم خلي عنه محمرا وجهه يفيض عرقا فقال صلى الله عليه وسلّم: «اللحم والدّم والظفر والشعر للمرأة والعظم والعصاب والعروق للرجل» قال له:
صدقت أمرك أمر نبي فأسلم ابن صوريا عند ذلك وقال: يا محمد من يأتيك من الملائكة؟ قال:
جبرئيل.
قال: صفه لي، فوصفه له النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: أشهد إنه في التوراة كما قلت وإنّك رسول الله حقّا فلما أسلم ابن صوريا وقعت فيه اليهود وشتموه فلما أرادوا أن ينهضوا تعلقت بنو قريظة ببني النضير، فقالوا: يا محمد إخواننا بنو النضير أبونا واحد وديننا واحد ونبيّنا واحد إذا قتلوا منا قتيلا لم يفدونا وأعطونا ديته سبعين وسقا من تمر وإذا قتلنا منهم قتلوا القاتل وأخذوا منا الضعف مائة وأربعين وسقا من تمر وإن كان القتيل امرأة. يفدوا بها الرجل، وبالرجل منهم الرجلين منّا، وبالعبد منهم الحرّ منّا، وجراحتنا بالنصف من جراحتهم فأمعن بيننا وبينهم «٥»، فأنزل الله تعالى في الرجم والقصاص يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ
رفع الخبر بحرف الصفة يعني وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا فهم سَمَّاعُونَ، وإن شئت جعلته خبر ابتداء مضمر أي فهم سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ، وقيل: اللام بمعنى إلى.

(١) تفسير مجمع البيان: ٣/ ٣٣٤
. (٢) كذا في المخطوط، وفي الدرّ المنثور: قال النبي: اللهم إنّي أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه
. (٣) سورة المائدة: ١٥
. (٤) تفسير مجمع البيان: ١/ ٣١٥
. (٥) بتفاوت في الدرّ المنثور ٢/ ٢٨٥
.


الصفحة التالية
Icon