وقال أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلّم يحرس، قال: وقالت عائشة: فكنت ذات ليلة إلى جنبه فسهر تلك الليلة، فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ فقال: «ليت رجل صالح يحرسني الليلة» قالت:
فبينما نحن في ذلك حتى سمعت صوت السلاح. فقال: من هذا؟ قال: سعد وحذيفة جئنا نحرسك، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى سمعت غطيطه فنزلت الآية فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأسه من قبة أديم وقال: «انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله عز وجل» «١» [٩٧].
وروى الحسن مرسلا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «لمّا بعثني الله برسالته فضقت بها ذرعا وعرفت إن من الناس من يكذبني»
«٢» [٩٨] وكان عتابه قريشا واليهود والنصارى فأنزل الله الآية، قلت:
ولما نزل قوله وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ سكت النبي (عليه السلام) عن عيب الهتهم فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ «٣» يعني معايب آلهتهم.
وقيل: نزلت في عيب اليهود وذلك
إنه (عليه السلام) دعا اليهود إلى الإسلام وقالوا:
أسلمنا قبلك وجعلوا يستهزئون به ويقولون: تريد أن نتّخذك عيانا كما اتخذت النصارى عيانا عيسى، فلما رأى النبي (عليه السلام) ذلك سكت فحرضه الله على دعائهم إلى الإسلام وأمره أن يقول لهم.
يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ الآية.
قال الحسين بن الفضل: وهذا أولى الأقاويل لأنه ليس بين قوله بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وبين قوله لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ فصل.
فلما نزلت الآية قال (عليه السلام) :«لا يأتي من عندي ومن نصرني» [٩٩].
وقيل: نزلت في قصة عيينة بن حصين وفقراء أهل الصفة وقيل: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من الرجم والقصاص ومرّ في قصة. وقيل: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من أمر نسائك. وذلك
أن رسول الله لما نزلت آية التخيير لم يكن يعرضها عليهن خوفا من اختيارهن الدنيا فأنزل الله، وقيل: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ في أمر زينب بنت جحش
، وقيل: نزلت في الجهاد، وذلك إن المنافقين كرهوه، قال الله فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ «٤» الآية وكرهه أيضا بعض المؤمنين قال الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ «٥» الآية، وكان (عليه السلام) يمسك في بعض المسلمين عن الحث على الجهاد لما يعلم من كراهة القوم فأنزل الله الآية.

(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٨١ وتفسير القرطبي: ٦/ ٢٤٤ وزاد المسير: ٢/ ٣٠١
. (٢) زاد المسير: ٢/ ٣٠١، تفسير القرطبي: ٦/ ٢٤٣
. (٣) سورة المائدة: ٦٧
. (٤) سورة محمّد: ٢٠
. (٥) سورة النساء: ٧٧
.


الصفحة التالية
Icon