فقال عمر: والتفتّ في البيت فو الله ما رأيت شيئا يردّ البصر إلّا أهب- يعني جلدا معطوبة- قد سطع ريحها، فبكيت، فقلت: يا رسول الله أنت رسول الله وخيرته، فيما أرى وهذا كسرى وقيصر في الديباج والحرير؟! فاستوى رسول الله جالسا، وقال: «أوفي شك أنت يا ابن الخطّاب؟» «أولئك قوم عجلت لهم طيّباتهم في حياتهم الدّنيا» [٦] «١».
أخبرنا ابن منجويه الدينوري، حدّثنا عبيد الله بن محمّد بن عتبة، حدّثنا الفرماني، حدّثنا أبو أمية الواسطي، حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا مبارك بن فضالة، حدّثنا حفص بن أبي العاص، قال: كنت أتغدى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتغدينا الخبز والزيت والخل، والخبز واللبن، والخبز والقديد، وأقلّ ذلك اللحم العريض، وكان يقول: «لا تنخلوا الدقيق فإنّه كلّه طعام» [٧].
فيجيء بخبز منقلع غليظ، فجعل يأكل ويقول لنا: كلوا. فجعلنا نعتذر، فقال: ما لكم لا تأكلون؟! فقلت: لا نأكله والله يا أمير المؤمنين، نرجع إلى طعام ألين من طعامك.
قال: بخ يا بن أبي العاص، ألا ترى أنّي عالم بأن آمر بدقيق أن ينخل بخرقة فيخبز في كذا، وكذا؟ أما ترى أنّي عالم إنّ آمر إلى عناق سمينة فيلقى عنها شعرها، ثمّ تخرج صلاء كأنّه كذا وكذا؟ أما ترى أنّي عالم أن أعمل إليّ صاع أو صاعين من زبيب فاجعله في سقاء ثمّ أرش عليه من الماء فيطبخ كأنّه دم غزال؟
قال: قلت: والله يا أمير المؤمنين إني لأراك عالما بطيب العيش، فقال عمر: أجل، والله الذي لا إله إلّا هو لولا إنّي أخاف أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لشاركتكم في العيش، ولكنّي سمعت الله يقول لقوم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها «٢».
أخبرنا ابن منجويه، حدّثنا عبد الله بن يوسف، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز، حدّثنا محمّد بن بكار الريان، حدّثنا أبو معشر، عن محمّد بن قيس، عن جابر بن عبد الله. قال:
اشتهى أهلي لحما، فمررت بعمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فقال: ما هذا يا جابر؟ فقلت: أشتهى أهلي لحما، فاشتريت لحما بدرهم. فقال: أوكلّما اشتهى أحدكم شيئا جعله في بطنه؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا؟
أخبرنا ابن منجويه، حدّثنا محمّد بن الحسين، حدّثنا بشر، حدّثنا ابن أبي الخصيب، أخبرني أحمد بن محمّد بن أبي موسى، حدّثنا أحمد بن أبي الحواري، حدّثنا أبي، قال: قال وهب بن الورد: خلق ابن آدم والخبز معه، فما زاد على الخبز ينمو شهوة. قال: فحدّثت به أبا سليمان. فقال: صدق، الملح مع الخبز شهوة.
وَاذْكُرْ أَخا عادٍ يعني هود (عليه السّلام).

(١) مسند أحمد: ١/ ٣٤.
(٢) كنز العمال: ١٢/ ٦٢٤ ح ٣٥٩٢٤.


الصفحة التالية
Icon