وسمعت ابن حبيب يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب يقول: سمعت أبي يقول: دعا عبد الله بن طاهر والي خراسان الحسين بن الفضل قال: أشكلت عليّ ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي، قال: وما هي أيّها الأمير؟، قال: قوله تعالى في وصف ابني آدم فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ
وصحّ الخبر بأن «الندم توبة»
[١٤١]، وقوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ،
وصحّ الخبر «جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة»
[١٤٢]، وقوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى فما بال الأضعاف فقال الحسين: يجوز ان لا يكون ندم قابيل توبة له، ويكون ندم هذه الأمة توبة لها، إن الله سبحانه خص هذه الأمة بخصائص لم يشركهم فيها الأمم.
وفيه قول آخر: وهو أن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل، وإنما كان على حمله، وأما قوله: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى يعني عن طريق العدل، ومجاز الآية: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى عدلا، [ولى أن أجزيه بواحدة ألفا فضلا]، وأمّا قوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فإنّها شؤون يعيدها لا شؤون يبديها، ومجاز الآية سوق المقادير إلى المواقيت. قال: فقام عبد الله بن طاهر وقبّل رأسه وسوّغ خراجه.
قال أبو بكر الوراق: إِلَّا ما سَعى أي نوى، بيانه
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يبعث الناس على نيّاتهم»
[١٤٣] «١».
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى قال الأخفش: يقال: جزيته الجزاء وجزيته بالجزاء لا فرق بينهما، قال الشاعر:
إن أجز علقمة بن سعد سعيه | لم أجزه ببلاء يوم واحد «٢» |
وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى أي منتهى الخلق ومصيرهم، وهو مجازيهم بأعمالهم، وقيل:
منه ابتداء المنّة وإليه انتهاء الآمال.
أخبرني الحسن بن محمد السفياني قال: حدّثنا محمد بن سماء بن فتح الحنبلي، قال:
حدّثنا علي بن محمد المصري قال: حدّثنا اسحق بن منصور الصعدي، قال: حدّثنا العباس بن زفر عن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله سبحانه: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى قال: «لا فكرة في الله «٣» » [١٤٤].
والشاهد لهذا الحديث ما
أخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا ابن شيبة، قال: حدّثنا عمير بن
(٢) تفسير القرطبي: ١٧/ ١١٥.
(٣) كنز العمال: ٣/ ٦٩٦.