والصواب. واختلفوا فيهم، فقال ابن زيد: كلّ الرسل كانوا أولي عزم، ولم يتّخذ الله رسولا، إلّا كان ذا عزم، وهو اختيار علي بن مهدي الطبري، قال: وإنّما دخلت (مِنَ) للتجنيس لا للتبعيض، كما يقال: اشتريت أكسية من الخزّ، وأردية من البز. حكاها شيخنا أبو القاسم بن حبيب عنه.
وقال بعضهم: كلّ الأنبياء (عليهم السّلام) أولوا عزم، إلّا يونس، ألا ترى إنّ نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم نهى عن أن يكون مثله، لخفّة وعجلة ظهرت منه حين ولّى من قومه مغاضبا، فابتلاه الله بثلاث:
سلّط عليه العمالقة حتى أغاروا على أهله وماله، وسلّط الذئب على ولده فأكلهم، وسلّط الحوت عليه حتّى ابتلعه.
سمعت أبا منصور الجمشاذي يحكيها، عن أبي بكر الرازي، عن أبي القاسم الحكيم.
وقيل: هم نجباء الرّسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر، وهو اختيار الحسين بن الفضل، قال: لقوله في عقبه: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ «١».
وقال الكلبي: هم الّذين أمروا بالقتال، فأظهروا المكاشفة، وجاهدوا الكفرة بالبراءة، وجاهدوهم. أخبرنا ابن منجويه الدينوري، عن أبي علي حبش المقري، قال: قال بعض أهل العلم: أُولُوا الْعَزْمِ اثنا عشر نبيّا أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم، فأوحى الله تعالى إلى الأنبياء (عليهم السّلام) :«إنّي مرسل عذابي على عصاة بني إسرائيل»، فشقّ ذلك عليهم، فأوحى الله تعالى إليهم أن اختاروا لأنفسكم، إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت بني إسرائيل، وإن شئتم أنجيتكم وأنزلت ببني إسرائيل. فتشاوروا بينهم، فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجي بني إسرائيل، فأنجى الله بني إسرائيل وأنزل بأولئك العذاب، وذلك إنّه سلّط عليهم ملوك الأرض، فمنهم من نشر بالمناشير، ومنهم من سلخ جلد رأسه ووجهه، ومنهم من رفع على الخشب، ومنهم من أحرق بالنّار، وقيل هم ستّة: نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى.
وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراب «٢» والشعراء. وقيل أصحاب الشرائع، وهم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم.
وقال مقاتل: أُولُوا الْعَزْمِ ستّة: نوح صبر على أذى قومه فكانوا يضربونه حتّى يغشى عليه، وإبراهيم صبر على النّار، وإسحاق صبر على الذبح، ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره، ويوسف صبر في البئر وفي السجن، وأيّوب صبر على ضرّه.

(١) سورة الأنعام: ٩٠.
(٢) كذا في المخطوط.


الصفحة التالية
Icon