رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ)
حَدَّثَنَا ابْنُ قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يحيى عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي)
قَوْله تَعَالَى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ] عقيب قوله [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّبْرَ وَفِعْلَ الصَّلَاةِ لُطْفٌ فِي التَّمَسُّكِ بِمَا فِي الْعُقُولِ مِنْ لُزُومِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ الْفِكْرُ فِي دَلَائِلِهِ وَحُجَجِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى [إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ] ثم عقبه بقوله [وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِقُلُوبِكُمْ وَهُوَ التَّفَكُّرُ فِي دَلَائِلِهِ أَكْبَرُ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ مَعُونَةٌ وَلُطْفٌ فِي التَّمَسُّكِ بهذا الذكر وإدامته
قوله تَعَالَى [وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ] فِيهِ إخْبَارٌ بِإِحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الشُّهَدَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ سَيُحْيَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا مراده لما قال ولكن لا تشعرون لأن قوله [وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ] إخْبَارٌ بِفَقْدِ عِلْمِنَا بِحَيَاتِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَيَاةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ شَعَرُوا بِهِ وَعَرَفُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَيَاةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ أُحْيُوا فِي قُبُورِهِمْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ مُنَعَّمُونَ فِيهَا جَازَ أَنْ يَحْيَا الْكُفَّارُ في قبورهم فليعذبوا وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ يُنْكِرُ عَذَابَ الْقَبْرِ فإن قيل لَمَّا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ مُنَعَّمِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَيْفَ خَصَّ الْمَقْتُولِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ لَهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اخْتَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا لَهُمْ عَلَى جِهَةِ تَقْدِيمِ الْبِشَارَةِ بِذِكْرِ حَالِهِمْ ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَخْتَصُّونَ بِهِ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى [أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ] فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَحْيَاءً وَنَحْنُ نَرَاهُمْ رَمِيمًا فِي الْقُبُورِ بَعْدَ مُرُورِ الْأَزْمَانِ عَلَيْهِمْ قِيلَ لَهُ النَّاسُ فِي هَذَا عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْإِنْسَانَ هُوَ الرُّوحُ وَهُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ وَالنَّعِيمُ وَالْبُؤْسُ إنَّمَا هُمَا لَهُ دُونَ الْجُثَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْإِنْسَانَ هَذَا الْجِسْمُ الْكَثِيفُ الْمُشَاهَدُ فَهُوَ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلَطِّفُ أَجْزَاءً مِنْهُ بِمِقْدَارِ مَا تَقُومُ بِهِ الْبِنْيَةُ الْحَيَوَانِيَّةُ وَيُوَصِّلُ النَّعِيمَ إلَيْهِ وَتَكُونُ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ اللَّطِيفَةُ بِحَيْثُ يَشَاءُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَكُونَ تُعَذَّبُ أَوْ تُنَعَّمُ عَلَى حَسَبِ مَا يَسْتَحِقُّهُ ثُمَّ يُفْنِيهِ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا يُفْنِي سَائِرَ الْخَلْقِ قَبْلَ يوم القيامة ثم يحيه يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْحَشْرِ
وَقَدْ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عبد الله بن محمد