في بيت مظلم لا يأمن من طُلُوعَ الْفَجْرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْأَكْلِ بِالشَّكِّ فَإِنْ أَجَازَ هَذَا وَأَلْغَى الشَّكَّ لَزِمَهُ إلْغَاءُ الشَّكِّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَالْإِقْدَامُ عَلَى كُلِّ مَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ محظورا من وطئ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ اجْتِنَابِ الشُّبُهَاتِ وَتَرْكِ الرَّيْبِ إلَى الْيَقِينِ وَمُخَالَفَةِ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ غير جائز له الإقدام على وطئ امْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا وَهُوَ شَاكٌّ فِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا ثَلَاثًا وَنَسِيَهَا فَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى وطئ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ الْمُطَلَّقَةَ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِإِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يُبِيحُ لَهُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ فَكَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ بِالشَّكِّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ مِنْ الْفَرْضِ فَلَا جَائِزٌ إلْزَامُهُ بِالشَّكِّ وَاَلَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ الْحِكَمِ مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ- إلَى قَوْلِهِ- مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ] نَسْخُ تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي لَيَالِي الصَّوْمِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ أَوْ بَعْدَ النَّوْمِ وَفِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّ الْحَظْرَ الْمُتَقَدِّمَ إنَّمَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِالسُّنَّةِ لَا بِالْقُرْآنِ ثُمَّ نُسِخَ بِالْإِبَاحَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَفِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تُنَافِي صِحَّةَ الصَّوْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبَاحَةِ الْجِمَاعِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى آخِرِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُجَامِعَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ إذَا صَادَفَ فَرَاغَهُ مِنْ الْجِمَاعِ طُلُوعُ الْفَجْرِ يُصْبِحُ جُنُبًا ثُمَّ حَكَمَ مَعَ ذَلِكَ بِصِحَّةِ صَوْمِهِ بِقَوْلِهِ [ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ] وَفِيهَا حَثٌّ عَلَى طَلَبِ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ [وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ] مَعَ تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ وَاحْتِمَالِ الْآيَةِ لَهُ وَفِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ تَأَوَّلَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْلَا أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَهُ لَمَا جَازَ أن يتأوله عَلَيْهِ وَفِيهَا النَّدْبُ إلَى التَّرَخُّصِ بِرُخْصَةِ اللَّهِ لِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ وَفِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ آخِرَ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ- إلى قوله- حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ] فَثَبَتَ أَنَّ اللَّيْلَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَنَّ مَا بَعْدَ طُلُوعِهِ فَهُوَ مِنْ النَّهَارِ وَفِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى إبَاحَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ إلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الِاسْتِبَانَةُ وَالْيَقِينُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَنَّ الشَّكَّ لَا يَحْظُرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ وُجُودُ الِاسْتِبَانَةِ مَعَ الشَّكِّ وَهَذَا فِيمَنْ يَصِلُ إلَى الِاسْتِبَانَةِ وَقْتَ طُلُوعِهِ وَأَمَّا مَنْ لَا يَصِلُ إلَى ذَلِكَ لِسَاتِرٍ أَوْ ضَعْفِ بَصَرِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي هَذَا الْخِطَابِ لِمَا بَيَّنَّا آنِفًا قَبْلَ


الصفحة التالية
Icon