المشرق والمغرب
الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَلَا يُنْفِقُونَ مِنْهَا فَحَذَفَ مِنْ وَهُوَ يُرِيدُهَا وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ خذ من أموالهم صدقة فَأَمَرَ بِأَخْذِ بَعْضِ الْمَالِ لَا جَمِيعِهِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ نَسْخَ الْأَوَّلِ إذْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ وَلَا يُنْفِقُونَ مِنْهَا وَأَمَّا الْكَنْزُ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ كَبْسُ الشَّيْءِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
لَا دَرَّ دَرِّي إنْ أَطْعَمْت نَازِلَكُمْ | قَرْفَ الْحَتِيِّ وَعِنْدِي الْبُرُّ مَكْنُوزُ |
وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا غَيْلَانُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إيَاسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآية والذين يكنزون الذهب والفضة كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ فَانْطَلَقَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّهُ كَبُرَ عَلَى أَصْحَابِك هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إلَّا لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ من أموالكم وإنما فَرَضَ الْمَوَارِيثَ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ قَالَ فَكَبَّرَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ
فَأَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ إنْفَاقُ بَعْضِ الْمَالِ لَا جَمِيعِهِ وَأَنَّ قَوْلَهُ وَالَّذِينَ يكنزون الْمُرَادُ بِهِ مَنْعُ الزَّكَاةِ
وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَدَّيْت زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْت الْحَقَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْك
فَأَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ فِي الْمَالِ هُوَ الزَّكَاةُ
وَرَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ كَنْزِهِ إلَّا جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وبكنزه فيحمى به جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهِ بَيْنَ عِبَادِهِ
فَأَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ فِي الْكَنْزِ هُوَ الزَّكَاةُ دُونَ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ جَمِيعُهُ وَقَوْلُهُ فَيُحْمَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبْهَتُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى قَوْلِهِ