بَعْدَ التَّوْبَةِ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ فَلَمْ يُخَالِفْهُ إلَّا إلَى مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أنه قال ذلك لأبى بكرة بعد ما جلده وجائز أن يكون قاله قبل الجلد قال أبو بكر ما ذَكَرْنَا مِنْ اخْتِلَافِ السَّلَفِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي حُكْمِ الْقَاذِفِ إذَا تَابَ فَإِنَّمَا صَدَرَ عَنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي رُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْفِسْقِ أَوْ إلَى إبْطَالِ الشَّهَادَةِ وَسِمَةِ الْفِسْقِ جَمِيعًا فَيَرْفَعُهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَقْصُورُ الْحُكْمِ عَلَى مَا يَلِيهِ مِنْ زَوَالِ سِمَةِ الْفِسْقِ بِهِ دُونَ جَوَازِ الشَّهَادَةِ أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي اللُّغَةِ رُجُوعُهُ إلَى مَا يَلِيهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى مَا تَقَدَّمَهُ إلَّا بِدَلَالَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْمُنَجَّيْنَ لِأَنَّهَا تَلِيهِمْ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمٌ كَانَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ وَكَانَ الدِّرْهَمُ مُسْتَثْنًى مِنْ الثَّلَاثَةِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ بِهِ عَلَى مَا يَلِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الرَّبَائِبِ دُونَ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ يَلِيهِنَّ فَثَبَتَ بِمَا وَصَفْنَا صِحَّةُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاقْتِصَارِ بِحُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا يَلِيهِ دُونَ مَا تَقَدَّمَهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا كَانَ فِي مَعْنَى التَّخْصِيصِ وَكَانَتْ الْجُمْلَةُ الدَّاخِلُ عَلَيْهَا الِاسْتِثْنَاءُ عُمُومًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْعُمُومِ ثَابِتًا وَأَنْ لَا نَرْفَعَهُ بِاسْتِثْنَاءٍ قَدْ ثَبَتَ حُكْمُهُ فِيمَا يَلِيهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى رُجُوعِهِ إلَيْهَا فَإِنْ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً- إلَى قَوْلِهِ- إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَكَانَ
الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ لِكَوْنِهِ مَعْطُوفًا بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ وَقَالَ تَعَالَى لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا فَكَانَ التَّيَمُّمُ لِمَنْ لَزِمَهُ الِاغْتِسَالُ كَلُزُومِهِ لِمَنْ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ بِالْحَدَثِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ الدَّاخِلُ عَلَى كَلَامٍ مَعْطُوفٍ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ يَجِبُ أَنْ يَنْتَظِمَ الْجَمِيعُ وَيَرْجِعَ إلَيْهِ قِيلَ لَهُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي اللُّغَةِ رُجُوعُهُ إلَى مَا يَلِيهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى مَا تَقَدَّمَهُ إلَّا بِدَلَالَةٍ وَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى رُجُوعِهِ إلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ عَلَى رجوعه إلى الْمَذْكُورِ فَإِنْ قِيلَ إذَا كُنَّا قَدْ وَجَدْنَا الِاسْتِثْنَاءَ تَارَةً يَرْجِعُ إلَى بَعْضِ الْمَذْكُورِ وَتَارَةً إلَى جَمِيعِهِ وَكَانَ ذَلِكَ مُتَعَالِمًا مَشْهُورًا فِي


الصفحة التالية
Icon