إظْهَارُهُ فَإِذَا لَمْ يُظْهِرْهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ فَقَوْلُ زُفَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ إنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِسْقُ الشُّهُودِ غَيْرَ مُخْرِجٍ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِي بَابِ سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُمْ فَكَذَلِكَ حُكْمُهُمْ فِي سُقُوطِهِ عَنْ الْقَاذِفِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي شُهُودِ الزِّنَا إذَا جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ ومالك والأوزاعى والحسن ابن صَالِحٍ يُحَدُّونَ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُحَدُّونَ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ الزِّنَا وَاحِدًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا شَهِدَ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ كَانَ قَاذِفًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْأَرْبَعَةُ غَيْرَهُ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُولُ مِنْهُ دُخُولَهُ فِي الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ ائْتِ بِنَفْسِك بَعْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ الْقَذْفِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ سِوَاك وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ زَانِيَةٌ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ لَأَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةٍ غَيْرِهِ يَشْهَدُونَ بِالزِّنَا وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَشْهَدُ أَنَّك زَانِيَةٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ اقْتَضَى ظَاهِرُ الْآيَةِ إيجَابَ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ قَاذِفٍ سَوَاءٌ كَانَ قَذْفُهُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ أَوْ بِغَيْرِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ حُكْمَ الْأَوَّلِ كَانَ كَذَلِكَ حُكْمَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ إذْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاذِفَ مُحْصَنَةٍ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَلَمْ يُبْرِئْهُ مِنْهُ إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ غَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحَدَّ إذَا كَانَ قَاذِفًا وَلَمْ يجيء مَجِيءَ الشَّهَادَةِ فَأَمَّا إذَا جَاءَ مَجِيءَ الشَّهَادَةِ بأن يقول أشهد أن فلان زَنَى فَلَيْسَ هَذَا بِقَاذِفٍ قِيلَ لَهُ قَذْفُهُ إيَّاهَا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ حُكْمِ الْقَاذِفِينَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ غَيْرُهُ لَكَانَ قَاذِفًا وَكَانَ الْحَدُّ لَهُ لَازِمًا فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ إيرَادَهُ الْقَذْفَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَاذِفًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ وَأَيْضًا فَقَدْ تَنَاوَلَهُ عُمُومُ قَوْلِهِ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ إذْ كَانَ رَامِيًا وَإِنَّمَا يَنْفَصِلُ حُكْمُ الرَّامِي مِنْ حُكْمِ الشَّاهِدِ إذَا جَاءَ أَرْبَعَةٌ مُجْتَمَعِينَ وَهُمْ الْعَدَدُ الْمَشْرُوطُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَكُونُونَ مُكَلَّفِينَ لَأَنْ يَأْتُوا بِغَيْرِهِمْ فَأَمَّا مَنْ دُونَ الْأَرْبَعَةِ إذَا جَاءُوا قَاذِفِينَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ أَوْ بِغَيْرِ لَفْظِهَا فَإِنَّهُمْ قَذَفَةٌ إذْ هُمْ مكلفين لِلْإِتْيَانِ بِغَيْرِهِمْ فِي صِحَّةِ قَذْفِهِمْ فَإِنْ قِيلَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَرْبَعَةً جَاءُوا يَشْهَدُونَ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِالزِّنَا فَشَهِدَ ثلاثة أنهم رأوه كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَلَمْ يَشْهَدْ الرَّابِعُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ إنْ شَهِدَ الرَّابِعُ عَلَى مِثْلِ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ الثَّلَاثَةُ فَاجْلِدْهُمَا وَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ فَارْجُمْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِمَا كَتَبْت بِهِ إلَيَّ فَاجْلِدْ الثَّلَاثَةَ وخل «٩- أحكام مس»


الصفحة التالية
Icon