الله صلّى الله عليه وسلّم بنى أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ فَقَالَ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَبَيَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا
فَنَصَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ اللِّعَانِ
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ
وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ كَانَ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ وَاقِعَةً بِلِعَانِ الزَّوْجِ لَبَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا وَقَعَ بِهَا مِنْ التَّحْرِيمِ وَتَعَلَّقَ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ فَلَمَّا لَمْ يُخْبِرْ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِلِعَانِ الزَّوْجِ ثَبَتَ أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ وَأَيْضًا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ خِلَافُ الْآيَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ثم قال فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ ثم قال وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ وَهُوَ يَعْنِي الزَّوْجَةَ فَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ لَلَاعَنَتْ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ وَذَلِكَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ اللِّعَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَأَيْضًا لَا خِلَافَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ وَلَدٍ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ أَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ لِأَنَّ اللِّعَانَ فِي هَذِهِ الْحَالِ إنَّمَا هُوَ لقطع الفراش ولا فراش بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَامْتَنَعَ لِعَانُهَا وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ فَإِنْ قِيلَ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ تَفْرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِاللِّعَانِ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا لا تحل له
بقوله لا سبيل عليها
قيل له هذا صرف الكلام عَنْ حَقِيقَتِهِ وَمَعْنَاهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا تَحِلُّ لَك لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا إنْ لَمْ تَقَعْ بِهِ فُرْقَةٌ فَلَيْسَ بِتَفْرِيقٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ بِالْحُكْمِ وَالْمُخْبِرُ بِالْحُكْمِ لَا يَكُونُ مُفَرِّقًا بَيْنَهُمَا فَإِنْ قِيلَ
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا
وَذَلِكَ إخْبَارٌ مِنْهُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَوْ كَانَ بَاقِيًا إلَى أَنْ يُفَرَّقَ لَكَانَا مُجْتَمِعَيْنِ قِيلَ لَهُ هَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما روى عن عمر
وَعَلِيٍّ قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ
فَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُمَا إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ ماداما عَلَى حَالِ التَّلَاعُنِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ الْفُرْقَةُ حَتَّى يَحْكُمَ بِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَوْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعْنَاهُ مَا وَصْفنَا وَأَيْضًا يُضَمُّ إلَيْهِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ بَعْدَ اللِّعَانِ وَأَنَّ الْفُرْقَةَ إنَّمَا تَقَعُ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ فَإِذَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْخَبَرِ تَضَمَّنَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ فأشبه