إذَا لَمْ تَكُنْ نَفْيٌ مِنْ طَلَاقِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ قَدْ أَوْجَبَتْ تَحْرِيمًا حَاظِرًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْحَالِ وَلَمْ تُوجِبْ مَعَ ذَلِكَ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ الذِّمِّيُّ إذَا أَبَى الْإِسْلَامَ وَقَدْ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ فَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ نِكَاحِهَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَلَا تُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا فَلَمْ يَجِبُ مِنْ حَيْثُ حَظَرْنَا تَزْوِيجَهَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ أَنْ تُوجِبَ بِهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا وَأَيْضًا لَوْ كَانَ اللِّعَانُ يُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا لَوَجَبَ أَنْ يُوجِبَهُ إذَا تَلَاعَنَا عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ لِأَنَّا وَجَدْنَا سَائِرَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ فَإِنَّهَا تُوجِبُهُ بِوُجُودِهَا غَيْرَ مُفْتَقِرَةٍ فِيهِ إلَى حَاكِمٍ مِثْلُ عَقْدِ النِّكَاحِ الْمُوجِبِ لِتَحْرِيمِ الْأُمِّ وَالْوَطْءِ الْمُوجِبِ لِلتَّحْرِيمِ وَالرِّضَاعِ وَالنَّسَبِ كُلُّ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِهَا تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ لَمْ تَفْتَقِرْ إلَى كَوْنِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ تَحْرِيمُ اللِّعَانِ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَهُوَ أَنْ يَتَلَاعَنَا بِأَمْرِهِ بِحَضْرَتِهِ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا وَأَيْضًا لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ بَعْدَ اللِّعَانِ لَجُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُخَالِفُنَا فِي ذَلِكَ لِزَوَالِ حَالِ التَّلَاعُنِ وَبُطْلَانِ حُكْمِهِ بِالْحَدِّ الْوَاقِعِ بِهِ وَجَبَ مِثْلُهُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ وَجَبَتْ الْفُرْقَةُ وَهُوَ حُكْمُ اللِّعَانِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنَّهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَجُلِدَ الْحَدَّ أَنْ يَعُودَ النِّكَاحُ وَتَبْطُلُ الْفُرْقَةُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لَهَا كَمَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ قَبْلَ الْفُرْقَةِ قِيلَ لَهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّا إنَّمَا جَعَلْنَا زَوَالَ حُكْمِ اللِّعَانِ عِلَّةً لِارْتِفَاعِ التَّحْرِيمِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ لَا لِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَلَا لِعَوْدِ النِّكَاحِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ بَطَلَ لَمْ يَعُدْ إلَّا بِعَقْدٍ مُسْتَقْبَلٍ إلَّا أَنَّ الْفُرْقَةَ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَا تَحْرِيمٌ غَيْرُ الْبَيْنُونَةِ وَذَلِكَ التَّحْرِيمُ إنَّمَا يَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِ حُكْمِ اللِّعَانِ كَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ تُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ وَتُوجِبُ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ تَحْرِيمًا لَا يَزُولُ إلَّا بِزَوْجٍ ثَانٍ يَدْخُلُ بِهَا فَإِذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي ارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ الَّذِي أَوْجَبَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَلَمْ يَعُدْ نِكَاحُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِيقَاعِ عَقْدٍ مُسْتَقْبَلٍ وَدَلِيلٌ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ التَّحْرِيمَ الْوَاقِعَ بِالْفُرْقَةِ لَمَّا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِحُكْمِ اللِّعَانِ وَجَبَ أَنْ يَرْتَفِعَ بِزَوَالِ حُكْمِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ارْتِفَاعِ حُكْمِ اللِّعَانِ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَجُلِدَ الْحَدَّ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ اللِّعَانَ حد على ما بينا فيما سلف بمنزلة الْجَلْدِ فِي قَاذِفِ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَمُمْتَنِعٌ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ حَدَّانِ فِي قَذْفٍ وَاحِدٍ فَإِيقَاعُ الْجَلْدِ لِذَلِكَ الْقَذْفِ مُخْرِجٌ لِلِّعَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَدًّا وَمُزِيلٌ لِحُكْمِهِ فِي إيجَابِ التَّحْرِيمِ لِزَوَالِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْت يُبْطِلُ حُكْمَ اللِّعَانِ لِامْتِنَاعِ