كان كتب على من قبلكم، (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ)، قال: ذاك بعد قبوله الدية، فأخبر ابن عباس أن الآية نزلت ناسخة لما كان على بني إسرائيل من حظر قبول الدية، وأباحت للولي قبول الدية إذا بذلها القاتل، تخفيفا من الله تعالى علينا، ورحمة بنا.
ولو كان الأمر على ما ادعاه مخالفنا من إيجاب التخيير لما قال:
فالعفو بأن يقبل الدية، لأن القبول لا يطلق إلا فيما بذل له غيره، ولو لم يكن أراد ذلك لقال: إذا اختار الولي.
وكان المقصود بذلك أن الذي قاله الله تعالى أنه كتب لم يعن به أنه كتب على وجه لا يمكن إسقاطه برضا من كتب له مثل ما كان على بني إسرائيل، بل يجوز إسقاطه، فإذا جاز إسقاطه رغب في إسقاطه من جهة من عليه القصاص بالمال، فهذان معنيان..
المعنى الثالث للآية ما رواه سفيان بن حسين عن ابن أشوع عن الشعبي قال: كان بين حيّين من العرب قتال، فقتل من هذا ومن هذا، فقال أحد الحيين: لا نرضى حتى يقتل بالمرأة الرجل، وبالرجل الرجلين، وارتفعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال عليه السلام: القتلى بواء- أي سواء- فاصطلحوا على الديات، ففضل لأحد الحيين على الآخر، فهو قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ).. إلى قوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ)..
قال سفيان بن حسين: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) يعني فمن فضل له على أخيه شيء فليؤده بالمعروف، فأخبر الشعبي عن السبب في نزول الآية، وذكر سفيان أن العفو ها هنا الفضل، وهو معنى يحتمله اللفظ، قال الله تعالى: (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى)


الصفحة التالية
Icon