وقيل: إنه لما رجع وبال الاستهزاء عليهم فكأنه استهزأ بهم.
ولما كانت جريمتهم أضر على المسلمين، أخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار، ودل على أن العقوبات في الدنيا ليست على أقدار الجرائم، وإنما هي على قدر مصالح الدنيا «١»، وجائز أن لا تشرع العقوبة في الدنيا أصلا وإنما تشرع في الآخرة.
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم مأمورا في ابتداء الإسلام بالصفح «٢» عنهم، والدفع بالتي هي أحسن، وفرض القتال بعد ذلك للمصلحة.
فيجوز أن يقتل من يظهر الكفر دون من يسر للمصلحة، ويجوز خلافه.
ويجوز أن يرد الشرع بقتل النسوان «٣» وأن يرد بخلافه، والعقل لا يمنع من ذلك.
قوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) (٢٢).
إبانة للقدرة بأن جعلها على مثال الفراش، وليس ذلك لحكم الإطلاق فإنه لو حلف أن لا يبيت على فراش، فبات على الأرض لم يحنث، ولو قال: لا أقعد في السراج فقعد في الشمس لم يحنث، لأن الإطلاق لا ينصرف إليه... وكذلك في قوله: (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) «٤».. فأفهم الفرق بين العرف الشرعي واللغوي، والمذكور على وجه التقييد..
قوله تعالى: (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (٢٩) :
(٢) أي عن الكفار لا عن المنافقين كما يفهم من سياق كلام المؤلف.
(٣) ولكنه لم يرد الا بالنهي الا إذا قاتلن كما في الصحيح.
(٤) سورة النبإ آية ٧.