قوله تعالى: (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) «١» الآية (٢١)، يدل على جواز الأمر بالمعروف مع خوف القتل «٢».
قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) «٣» الآية (٢٣).
فيه دلالة على أن من دعا خصمه إلى الحكم لزمته إجابته، لأنه دعا إلى كتاب الله تعالى «٤».
قوله تعالى: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) «٥» الآية (٢٨).

(١) وهم اليهود، قتلوا زكريا وابنه يحيى عليهما السلام، وقتلوا حزقيل عليه السلام، قتله قاض يهودي لما نهاه عن منكر فعله، وزعموا أنهم قتلوا عيسى بن مريم عليهما السلام، ولما كان المخاطبون راضين بصنيع أسلافهم صحت هذه الاضافة إليهم، أهـ. انظر محاسن التأويل.
(٢) ويقول القرطبي: «دلت هذه الآية على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان واجبا في الأمم المتقدمة، وهو فائدة الرسالة وخلافة النبوة» ج ٤ ص ٤٧.
(٣) الآية اشارة الى قصة تحاكم اليهود الى النبي صلّى الله عليه وسلم لما زنى منهم اثنان، فحكم عليهما بالرجم فأبوا وقالوا: لا نجد في كتابنا الا التحميم، فجيء بالتوراة فوجد فيها الرجم.
فرجما فغضبوا فشنع عليهم بهذه الآية.
(٤) يقول القرطبي: «في هذه الآية دليل على وجوب ارتفاع المدعو الى الحاكم لأنه دعى الى كتاب الله، فان لم يفعل كان مخالفا يتعين عليه الزجر بالأدب على قدر المخالف، وهذا الحكم الذي ذكرناه مبين في النزيل في قوله تعالى: (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ). الى قوله تعالى: (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
وقال بن خويز منداد المالكي:
«واجب على كل من دعى الى مجلس الحاكم ان يجيب ما لم يعلم أن الحاكم فاسق، أو يعلم عداؤه من المدعي والمدعى عليه»
.
(٥) الأولياء: جمع ولي، ومعانيه كثيرة، منها: المحب، والصديق، والنصير. وقال الزمخشري: نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم، أو صداقة قبل الإسلام، أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر.
ويقول القاسمي: قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية الكريمة تحريم موالاة الكفار، لأن الله تعالى نهى عنها بقوله:
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)، أي ومن يوال الكفرة فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية.
ويقول ل الجصاص:
«وفي الآية ونظائرها دلالة على أن لا ولاية للكافر على المسلم في شيء.
ويعقب الصابوني على ذلك فيقول:
«ومما يؤيد هذا الرأي ويرجحه قوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) ثم يقول: ما ترشد اليه الآية الكريمة:
١- موالاة الكافرين، ومحبتهم، والتودد إليهم محرمة في شريعة الله.
٢- التقية عند الخوف على النفس أو المال أو التعرض للأذى الشديد.
٣- الإكراه يبيح للإنسان التلفظ بكلمة الكفر بشرط أن يبقى القلب مطمئنا بالإيمان.
٤- لا صلة بين المؤمن والكافر بولاية أو نصرة أو توارث، لأن الايمان يناقض الكفر.
٥- الله تعالى مطلع على خفايا النفوس لا تخفى عليه خافية من أمور عباده أهـ.
أنظر تفصيل القول في تفسير القاسمي ج ٤ ص ٨٢٤.


الصفحة التالية
Icon