وهذا ليس بتأويل، إنما هو دليل مأخوذ من ظاهر لفظ الخبر، وهو قوله «كان» ومن ظاهر السياق في ذكر الآيات وعد كونه آمنا في جملتها.
فإذا قيل: معناه لا تقتلوا أنتم، فليس ينتظم ذلك في سياق الآية، سيما وهو يضطر إلى الخروج بقطع المير عنه، فهو خائف صباحا ومساء، فكونه آمنا يخالف ذلك.
ويدل على ذلك أن القائل إذا قال: من دخل هذا الموضع كان آمنا، ثم لزمته حدود النفس وعقوبات على الأطراف، فإذا قيل: إنها تستوفى منه، لم يتحقق معنى الأمن مع ذلك، وعد إطلاق لفظ الأمن على كل داخل، مع إيجاب هذه العقوبات عليه مستلزما.
فإذا تقرر ذلك، فكيف تترك العمومات في القصاص والزواجر لهذا الكلام الوارد في معرض الآيات بلفظ الخبر؟
وهل جاز الحبس في الحرم الملتجئ اليه في دين عليه إلا لعموم قوله عليه السلام:
الي الواجد يحل عرضه وعقوبته» «١».
وهل وجب القصاص في النفس وغيرها، إلا على وجه واحد بقوله تعالى:
(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) الآية «٢».
(٢) الآية رقم ٤٥ من سورة المائدة وتمامها: (... وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ).
ولتفصيل هذه المسألة انظر الصابوني ج ١ ص ٤١٢.