وأبو حنيفة يخالف في ذلك، لأنه يرى أن القاتل ليس ظالما بفعله، ويقال له إنه ليس ظالما بفعله، إلا لأن الفعل غير قبيح ولا مفسدة، ولكن لجهل الفاعل، ولو علمه كان به ظالما ولحقه الذم واللوم والسفه، وهذا بين.
ومن جملة ذلك: أنه إذا كان في بلد الإسلام من يضلل الناس بشبهة وبدعة، فإنه يجب إزالته بما أمكن، لأنه نهي عن المنكر، ومن لم يكن داعيا للناس إلى ذلك، وإنما يذعن إلى الحق، فإقامة الدلائل على صحة قول أهل الحق وتبيين فساد شبهه، ما لم يخرج على أهل الحق بسيفه، ويكون له أصحاب يمتنع بهم عن الإمام، فإن خرج داعيا إلى مقالته مقاتلا عليها، فهذا الباغي الذي أمر الله تعالى بقتاله حتى يفيء إلى أمر الله
قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً «١» مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ «٢» خَبالًا) (الآية ١١٨) :
فيه دلالة، على أنه لا يجوز الاستعانة بأهل الذمة في شيء من أمور المسلمين من العمالات والكتابة.
ولما استكتب أبو موسى رجلا من أهل الذمة، كتب اليه عمر يعنفه ويلومه ويتلو عليه هذه الآية.
وقيل لعمر: إن هاهنا رجل من أهل الحيرة لم ير رجل أحفظ منه ولا أخط بقلم، فإن رأيت أن تتخذه كاتبا، قال:

(١) أي أصحابا يستبطنون أمركم من دون أبناء جنسكم وهم المسلمون.
قال الزمخشري: «بطانة الرجل ووليجته خصيصه وصفيه الذي يفضي اليه بشعورة ثقة به».
(٢) يقول الزمخشري: ألا في الأمر يألو: إذا قصر فيه.


الصفحة التالية
Icon