وإذا كانت التضرية شاملة وثبت ذلك، فقد صار كثير من الصحابة أي أن الإمساك على المالك المذكور في الآية في قوله: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)، هو الانقياد للمالك في الإضراء والارعواء، فإذا لم تهرب منه بعد الاصطياد واحدة فلا يحرم أصلا، وإن أكل منه.
وأبو حنيفة وأصحابه «١»، شرطوا ترك الأكل في الكلب والفهد، ولم يشترطوه في الطيور.
والشافعي «٢» مال إلى هذا الفرق في قول، وسوى في ترك الأكل بينهما، وهو القياس.
وإذا تبين ذلك فقوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) إن كان المراد به ترك الأكل، ما كان قوله: (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) متناولا للبازي، ولأجل ذلك قال علي: لا يحل صيد البازي أصلا، فإنه لا يتحقق تعليمه على ترك الأكل.
واعلم أن الظاهر يقتضي أن يكون المراد بقوله: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) : أي كلوا مما اصطدن بأمركم وإرسالكم، وكان الاصطياد صادرا عن إعزائكم «٣»، ولذلك ذكر الجوارح مطلقا ولم يتهيأ لعاقل أن يقول: إن ترك الأكل دليل على أن الكلب قصد الإمساك للمالك، فإنه لا وقوف على نية الكلب، ولا أن كلبا في العالم ينوي الأخذ للمالك دون نفسه، بل قصده لنفسه تحقيقا.
وقيل: الصيد هو الذكاة، وترك الأكل شرط بعد الموت، ويبعد أن يكون ما بعد الموت شرطا في الذبح.

(١) انظر الاختيار في تعليل المختار لأبي حنيفة النعمان.
(٢) انظر كتاب الام للإمام الشافعي.
(٣) انظر تفسير سورتي البقرة والمائدة، للنيسابوري والقرطبي.


الصفحة التالية
Icon